يخالف في المسألة إلا عبد الله بن مسعود فإنه امتنع من طرح ما عنده من القراءة المخالفة لمصاحف عثمان ، وقال : يا أهل العراق! ويا أهل الكوفة (١) ، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله يقول : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢) وألقوا إليه بالمصاحف ، فتأمل كلامه فإنه لم يخالف في جمعه ، وإنما خالف أمرا آخر. ومع ذلك فقد قال ابن هشام : بلغني أنه كره ذلك من قول ابن مسعود رجل من أفاضل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ولم يرد نص عن النبي صلىاللهعليهوسلم بما صنعوا من ذلك ، ولكنهم رأوه مصلحة تناسب تصرفات الشرع قطعا ، فإن ذلك راجع إلى حفظ الشريعة ، والأمر بحفظها معلوم ، وإلى منع الذريعة للاختلاف في أصلها الذي هو القرآن ، وقد علم النهي عن الاختلاف في ذلك بما لا مزيد عليه.
وإذا استقام هذا الأصل فاحمل عليه كتب العمل من السنن وغيرها ، إذا خيف عليها الاندراس ، زيادة على ما جاء في الأحاديث من الأمر بكتب العلم.
وأنا أرجو أن يكون كتب هذا الكتاب الذي وضعت يدي فيه من هذا القبيل ، لأني رأيت باب البدع في كلام العلماء مغفلا جدا إلا من النقل الجلي كما نقل ابن وضاح ، أو يؤتي بأطراف من الكلام لا يشفي الغليل بالتفقه فيه كما ينبغي ، ولم أجد على شدة بحثي عنه إلا ما وضع فيه أبو بكر الطرطوشي ، وهو يسير في جنب ما يحتاج إليه فيه ، وإلا ما وضع الناس في الفرق الثنتين والسبعين ، وهو فصل من فصول الباب وجزء من أجزائه ، فأخذت نفسي بالعناء فيه ، عسى أن ينتفع به واضعه ، وقارئه ، وناشره ، وكاتبه ، والمنتفع به ، وجميع المسلمين ، إنه ولي ذلك ومسديه بسعة رحمته.
المثال الثاني :
اتفاق أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حد شارب الخمر ثمانين ، وإنما مستندهم فيه
__________________
(١) الكوفة : بلد بأرض بابل من سواد العراق ، تمّ تمصيرها في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة / ١٧ / هجري.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٦١.