فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاق والعسب واللخاف ، ومن صدور الرجال (١) فهذا عمل لم ينقل فيه خلاف عن أحد من الصحابة.
ثم روي عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان كان يغازي أهل الشام وأهل العراق في فتح أرمينية (٢) وأذربيجان (٣) ، فأفزعه اختلافهم في القرآن ، فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلفت اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة : أرسلي إليّ بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها عليك ، فأرسلت حفصة به إلى عثمان ، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت ، وإلى عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاصي ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فأمرهم أن ينسخوا الصحف في المصاحف ، ثم قال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش ، فإنه نزل بلسانهم.
قال : ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، بعث عثمان في كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوها ، ثم أمر بما سوى ذلك من القراءة في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق (٤).
فهذا أيضا إجماع آخر في كتبه وجمع الناس على قراءة لم يحصل منها في الغالب اختلاف. لأنهم لم يختلفوا إلا في القراءات ـ حسبما نقله العلماء المعتنون بهذا الشأن ـ فلم
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : فضائل القرآن ، باب : جمع القرآن ، وباب : كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأخرجه في كتاب : تفسير سورة براءة ، باب : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، وأخرجه في كتاب : الأحكام ، باب : ما يستحب للكاتب أن يكون أمينا (الأحاديث : ٩ ، ١٣). وأخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة التوبة (الحديث : ٣١٠٢).
(٢) أرمينية : اسم لصقع عظيم واسع في جهة الشمال ، من مدنها بيلقان وقبلة وشروان وجرزان وصفدبيل وباب فيروزقباذ واللكز والنشوى.
(٣) أذربيجان : حدها من برذعة مشرقا إلى أرزنجان مغربا ويتصل حدها من جهة الشمال ببلاد ديلم والجيل والطرم ، من مشهور مدائنها : تبريز والمراغة وأرمية وأردبيل.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب : فضائل القرآن ، باب : جمع القرآن ، وباب : نزل القرآن بلغة قريش (الأحاديث : ٩ ، ١٨). وأخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة التوبة (الحديث : ٣١٠٣).