قوله أي : لم يزل كذلك ، فإن الله عزوجل لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلف عليك القرآن ، فإن كلّا من عند الله.
والرابع : قول من قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله لما خلق آدم مسح ظهره بيمينه فأخرج منه ذريته إلى يوم القيامة (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١)» (٢) الحديث كما وقع مخالف لقول الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣) فالحديث أنه أخذهم من ظهر آدم ، والكتاب يخبر أنه أخذ من ظهور آدم ، وهذا إذا تؤمّل لا خلاف فيه لأنه يمكن الجمع بينهما ، بأن يخرجوا من صلب آدم عليه الصلاة والسلام دفعه واحدة على وجه لو خرجوا على الترتيب كما أخرجوا إلى الدنيا ، ولا محال في هذا بأن يتفطر في تلك الأخذة الأبناء عن الأبناء من غير ترتيب زمان ، وتكون النسبتان معا صحيحتين في الحقيقة لا على المجاز.
والخامس : قول من قال فيما جاء في الحديث : إن رجلا قال : يا رسول الله نشدتك الله! إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله ، فقال خصمه وكان أفقه منه : صدق أقض بيننا بكتاب الله ، وائذن لي في أن أتكلم ، ثم أتى بالحديث ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما الوليدة والغنم فرد عليك ، وعلى ابنك هذا جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة هذا الرجم» إلى آخر الحديث ، هو مخالف لكتاب الله ، لأنه قد قال : «لأقضين بينكما بكتاب الله» (٤) حسبما سأله السائل ، ثم قضى بالرجم والتغريب ، وليس لهما ذكر في كتاب الله.
__________________
(١) سورة : الأعراف ، الآية : ١٧٢.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب : القدر ، باب : النهي عن القول بالقدر (الأحاديث : ٢ / ٨٩٨ ، ٨٩٩). وأخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة الأعراف (الحديث : ٣٠٧٧). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في القدر (الحديث : ٤٧٠٣). وأخرجه أحمد في المسند (الحديث : ٣١). وأخرجه الحاكم في المستدرك (الحديث : ١ / ٢٧). وأخرجه الطبري (الحديث : ١٥٣٥٧).
(٣) سورة : الأعراف ، الآية : ١٧٢.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب : المحاربين ، باب : الاعتراف بالزنا ، وباب : البكران يجلدان وينفيان ،