النبي صلىاللهعليهوسلم وطريقه ، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ، ثم قال إسحاق : لم أسمع عالما منذ خمسين سنة كان أشد تمسكا بأثر النبي صلىاللهعليهوسلم من محمد بن أسلم.
فانظر في حكايته تتبيّن غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم ، وهو وهم العوام ، لا فهم العلماء ، فليثبت الموفق في هذه المزلة قدمه لئلا يضل عن سواء السبيل ، ولا توفيق إلا بالله.
المسألة الثامنة عشرة :
في بيان معنى رواية أبي داود وهي قوله عليه الصلاة والسلام : «وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» (١).
وذلك أن معنى هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بما سيكون في أمته من هذه الأهواء التي افترقوا فيها إلى تلك الفرق ، وأنه يكون فيهم أقوام تداخل تلك الأهواء قلوبهم حتى لا يمكن في العادة انفصالها عنها وتوبتهم منها ، على حد ما يداخل داء الكلب جسم صاحبه فلا يبقى من ذلك الجسم جزء من أجزائه ولا مفصل ولا غيرهما إلا دخله ذلك الداء ، وهو جريان لا يقبل العلاج ولا ينفع فيه الدواء ، فكذلك صاحب الهوى إذا دخل قلبه ، وأشرب حبّه ، لا تعمل فيه الموعظة ولا يقبل البرهان ، ولا يكترث بمن خالفه ، واعتبر ذلك بالمتقدمين من أهل الأهواء كمعبد الجهني وعمرو بن عبيد وسواهما ، فإنهم كانوا حيث لقوا مطرودين من كل جهة ، محجوبين عن كل لسان ، مبعدين عند كل مسلم ، ثم مع ذلك لم يزدادوا إلا تماديا على ضلالهم ، ومداومة على ما هم عليه (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) (٢).
وحاصل ما عولوا عيه تحكيم العقول مجردة ، فشركوها مع الشرع في التحسين والتقبيح ، ثم قصروا أفعال الله على ما ظهر لهم ووجهوا عليها أحكام العقل فقالوا : يجب
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٥٧ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٤١.