على الله كذا ولا يجوز أن يفعل كذا ، فجعلوه محكوما عليه كسائر المكلفين ، ومنهم من لم يبلغ هذا المقدار ، بل استحسن شيئا يفعله واستقبح آخر وألحقها بالمشروعات ، ولكن الجميع بقوا على تحكيم العقول ، ولو وقفوا هنالك لكانت الداهية على عظمتها أيسر ، ولكنهم تجاوزوا هذه الحدود كلها إلى أن نصبوا المحاربة لله ورسوله ، باعتراضهم على كتاب الله وسنّة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وادعائهم عليهما من التناقض والاختلاف ومنافاة العقول وفساد النظم ما هم له أهل.
قال العتبي : وقد اعترض على كتاب الله تعالى بالطعن ملحدون ، ولغوا وهجروا ، واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، بأفهام كليلة ، وأبصار عليلة ، ونظر مدخول فحرفوا الكلم عن مواضعه ، وعدلوا به عن سبيله ، ثم قضوا عليه بالتناقض ، والاستحالة واللحن ، وفساد النظم والاختلاف ، وأدلوا بذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغمر ، والحديث الغرّ ، واعترضت بالشبه في القلوب ، وقدحت بالشكوك في الصدور ، قال : ولو كان ما لحنوا إليه ، على تقريرهم وتأويلهم لسبق إلى الطعن فيه من لم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحتج بالقرآن عليهم ، ويجعله علم نبوته ، والدليل على صدقه ، ويتحداهم في مواطن على أن يأتوا بسورة من مثله ، وهم الفصحاء والبلغاء ، والخطباء والشعراء ، والمخصوصون من بين جميع الأنام ، بالألسنة الحداد واللدد في الخصام ، مع اللب والنّهى وأصالة الرأي ، فقد وصفهم الله بذلك في غير موضع من الكتاب ، وكانوا يقولون مرة : هو سحرة. ومرة : هو شعر. ومرة : هو قول الكهنة ، ومرة : أساطير الأولين ، ولم يحك الله عنهم الاعتراض على الأحاديث ودعوى التناقض والاختلاف فيها ، وحكى عنهم ، لأجل ذلك القدح في خير أمة أخرجت للناس وهم الصحابة رضي الله عنهم ، واتبعوهم بالحدس قالوا : ما شان ، أو جروا في الطعن على الحديث جري من لا يرى عليه محتسبا في الدنيا ولا محاسبا في الآخرة.
وقد بسط الكلام في الرد عليهم والجواب عما اعترضوا فبه أبو محمد بن قتيبة في كتابين صنفهما لهذا المعنى ، وهما من محاسن كتبه رحمهالله ، ولم أرو قط تلك الاعتراضات تعزيزا للمعترض فيه ، لم أعن بردها لأن غيري ـ والحمد لله ـ قد تجرد له ، ولكن أردت بالحكاية عنهم على الجملة بيان معنى قوله : «تجارى بهم تلك الأهواء كما