الناس من قبله ، وسيأتي لهذا المعنى بسط أوسع من هذا إن شاء الله.
وأما الشح : فإنه مقدمة لبدعة الاحتيال على تحليل الحرام ، وذلك أن الناس يشحون بأموالهم فلا يسمحون بتصريفها في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، كالإحسان بالصدقات والهبات والمواساة والإيثار على النفس ، ويليه أنواع القرض الجائز ، ويليه التجاوز في المعاملات بإنظار المعسر ، وبالإسقاط كما قال : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١) ؛ وهذا كان شأن من تقدم من السلف الصالح ، ثم نقص الإحسان بالوجوه الأول ، فتسامح الناس بالقرض ، ثم نقض ذلك حتى صار الموسر لا يسمح بما في يديه فيضطر المعسر إلى أن يدخل في المعاملات التي ظاهرها الجواز وباطنها المنع ، كالربا والسلف الذي يجر النفع فيجعل بيعا في الظاهر ، ويجري في الناس شرعا شائعا ، ويدين به العامة ، وينصبون هذه المعاملات متاجر ، وأصلها الشح بالأموال وحب الزخارف الدنيوية والشهوات العاجلة ، فإذا كان كذلك فالحريّ أن يصير ذلك ابتداعا في الدين ، وأن يجعل من أشراط الساعة.
فإن قيل : هذا انتجاع من مكان بعيد ، وتكلف لا دليل عليه.
فالجواب : أنه لو لا أن ذلك مفهوم من الشرع لما قيل به ، فقد روى أحمد في مسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا ضنّ الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة ، واتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله ، أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم».
ورواه أبو داود أيضا وقال فيه : «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينتزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (٢).
فتأمل كيف قرن التبايع بالعينة بضنة الناس ، فأشعر بأن التبايع بالعينة يكون عن الشح
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٠.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب : البيوع ، باب : في النهي عن العينة (الحديث : ٣٤٦٢).