على ضلالة ، فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرّف الصواب فيما اختلفوا فيه. قال الشافعي : الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ، ولا سنّة ولا قياس ، وإنما تكون الغفلة في الفرقة.
وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضا ما يقتضيه ، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر ، وفيه من المعنى ما في الأول من أنه لا بدّ من كون المجتهدين فيهم ، وعند ذلك لا يكون مع اجتماعهم على هذا القول بدعة أصلا ، فهم ـ إذا ـ الفرقة الناجية.
والخامس : ما اختاره الطبري الإمام من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير ، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم ، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين ، إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب ، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين ، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها وسماها النبي صلىاللهعليهوسلم مارقة من الدين ، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة ، فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه.
وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان» (١). قال الطبري : فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة.
قال : وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية ، فهي الجماعة ، التي وصفها أبو مسعود الأنصاري ، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم ، وهم السواد الأعظم.
قال : وقد بيّن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فروي عن عمرو بن ميمون الأودي : قال : قال عمر حين طعن لصهيب : صلّ بالناس ثلاثا وليدخل عليّ عثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء ، فقم يا صهيب على رءوسهم بالسيف فإن بايع خمسة ونكص واحد
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥١٧ ، الحاشية : ٣.