ويقتدى بهم بأقوالهم وأعمالهم سكنت إليهم الدهماء (١) ظنا أنهم بالغوا لهم في الاحتياط على الدين ، وهم يضلونهم بغير علم ، ولا شيء أعظم على الإنسان من داهية تقع به من حيث لا يحتسب ، فإنه لو علم طريقها لتوقّاها ما استطاع ، فإذا جاءته على غرّة فهي أدهى وأعظم على من وقعت به ، وهو ظاهر ، فكذلك البدعة إذا جاءت العامي من طريق الفتيا ، لأنه يستند في دينه إلى من ظهر في رتبة أهل العلم ، فيضل من حيث يطلب الهداية : اللهم اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم.
المسألة السادسة والعشرون :
إن هاهنا نظرا لفظيّا في الحديث هو من تمام الكلام فيه ، وذلك أنه لما أخبر عليه الصلاة والسلام إن جميع الفرق في النار إلا فرقة واحدة ، وهي الجماعة المفسرة في الحديث الآخر ، فجاء في الرواية الأخرى السؤال عنها ـ سؤال التعيين ـ فقالوا : من هي يا رسول الله؟ فأصل الجواب أن يقال : أنا وأصحابي ، ومن عمل مثل عملنا. أو ما أشبه ذلك مما يعطي تعيين الفرقة ، إما بالإشارة إليها أو بوصف من أوصافها ، إلا أن ذلك لم يقع ، وإنما وقع في الجواب تعيين الوصف لا تعيين الموصوف ، فلذلك أتى بما أتى ، فظاهرها الوقوع على غير العاقل من الأوصاف وغيرها ، والمراد هنا الأوصاف التي هو عليها صلىاللهعليهوسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، فلم يطابق السؤال الجواب في اللفظ ، والعذر عن هذا أن العرب لا تلتزم ذلك النوع إذا فهم المعنى ، لأنهم لما سألوا عن تعيين الفرقة الناجية بيّن لهم الوصف الذي به صارت ناجية ، فقال : «ما أنا عليه وأصحابي» (٢).
ومما جاء غير مطابق في الظاهر وهو في المعنى مطالب قول الله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) فإن هذا الكلام معناه : هل أخبركم بما هو أفضل من متاع الدنيا؟ فكأنه قيل : نعم! أخبرنا ، فقال الله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٣) الآية ، أي : للذين اتقوا استقر لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، فأعطى مضمون الكلام معنى الجواب على غير لفظه ، وهذا التقرير على قول جماعة من المفسرين.
__________________
(١) الدهماء : عامة الناس.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٥.