وقال تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ) (١) الآية فقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) يقتضي المثل لا المثل ، كما قال تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (٢) ولأنه كلما كان المقصود الممثّل جاء به بعينه.
ويمكن أن يقال : إن النبي صلىاللهعليهوسلم لما ذكر الفرق وذكر أن فيها فرقة ناجية ، كان الأولى السؤال عن أعمال الفرقة الناجية ، لا عن نفس الفرقة. لأن التعريف فيها من حيث هي لا فائدة فيه إلا من جهة أعمالها التي نجت بها ، فالمقدم في الاعتبار هو العمل لا العامل ، فلو سألوا : ما وصفها؟ أو ما عملها؟ أو ما أشبه ذلك لكان أشد مطابقة في اللفظ والمعنى ، فلما فهم عليه الصلاة والسلام منهم ما قصدوا أجابهم على ذلك.
ونقول : لما تركوا السؤال عما كان الأولى في حقهم ، أتى به جوابا عن سؤالهم ، حرصا منه عليه الصلاة والسلام على تعليمهم ما ينبغي لهم تعلمه والسؤال عنه.
ويمكن أن يقال : إن ما سألوا عنه لا يتعين ، إذ لا تختص النجاة بمن تقدم دون من تأخر ، إذ كانوا قد اتصفوا بوصف التأخير.
ومن شأن هذا السؤال التعيين وعدم انحصارهم بزمان أو مكان لا يقتضي التعيين ، وانصرف القصد إلى تعيين الوصف الضابط للجميع ، وهو ما كان عليه هو وأصحابه.
وهذا الجواب : بالنسبة إلينا كالمبهم ، وهو بالنسبة إلى السائل معين ، لأن أعمالهم كانت للحاضرين معهم رأي عين ، فلم يحتج إلى أكثر من ذلك ، لأنه غاية التعيين اللائق بمن حضر ، فأما غيرهم ممن لم يشاهد أحوالهم ولم ينظر أعمالهم فليس مثلهم ، ولا يخرج الجواب بذلك عن التعيين المقصود ، والله أعلم. انتهى.
__________________
(١) سورة : محمد ، الآية : ١٥.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٧.