ثم نقول : إن العلماء يقولون في مثل الدعاء والذكر الوارد على أثر الصلاة : إنه مستحب لا سنة ولا واجب ، وهو دليل على أمرين :
أحدهما : أن هذه الأدعية لم تكن منه عليهالسلام على الدوام.
والثاني : أنه لم يكن يجهر بها دائما ولا يظهرها للناس في غير مواطن التعليم ، إذ لو كانت على الدوام ، وعلى الإظهار لكانت سنة ولم يسع العلماء أن يقولوا فيها بغير السنّة ، إذ خاصيته ـ حسبما ذكروه ـ الدوام والإظهار في مجامع الناس ، ولا يقال : لو كان دعاؤه عليه الصلاة والسلام سرّا لم يؤخذ عنه ، لأنا نقول : من كانت عادته الإسرار فلا بد أن يظهر منه إما بحكم العادة وإما بقصد التنبيه على التشريع.
فإن قيل : ظواهر الأحاديث تدل على الدوام بقول الرواة : «كان يفعل» فإنه يدل على الدوام كقولهم : كان حاتم يكرم الضيفان.
قلنا : ليس كذلك ، بل يطلق على الدوام وعلى الكثير والتكرار على الجملة ، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. وروت أيضا أنه كان عليه الصلاة والسلام ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء ، بل قد يأتي في بعض الأحاديث : «كان يفعل فيما لم يفعله إلا مرة واحدة» (١) نص عليه أهل الحديث.
ولو كان يداوم المداومة التامة للحق بالسنن كالوتر وغيره ، ولو سلم : فأين هيئة الاجتماع؟
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الغسل ، باب : الجنب يتوضأ ثم ينام (الحديث : ١ / ٣٣٥). وأخرجه مسلم في كتاب : الحيض ، باب : جواز نوم الجنب (الأحاديث : ٣٠٥ ، ٣٠٧). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الطهارة ، باب : وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم (الأحاديث : ١ / ٤٧ ، ٤٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : الطهارة ، باب : الجنب يأكل (الأحاديث : ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٦) وأخرجه في كتاب : الصلاة ، باب : في وقت الوتر (الحديث : ١٤٣٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : الطهارة ، باب : ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل (الأحاديث : ١١٨ ، ١١٩). وأخرجه النسائي في كتاب : الطهارة ، باب : وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل (الحديث : ١ / ١٣٨).