فقد حصل أن الدعاء بهيئة الاجتماع دائما لم يكن من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما لم يكن قوله ولا إقراره.
وروى البخاري من حديث أم سلمة أنه صلىاللهعليهوسلم كان يمكث إذا سلم يسيرا. قال ابن شهاب : حتى ينصرف الناس فيما نرى. وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها : كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» (١).
وأما فعل الأئمة بعده فقد نقل الفقهاء من حديث أنس في غير كتب الصحيح : صليت خلف النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكان إذا سلم يقوم ، وصليت خلف أبي بكر رضي الله عنه فكان إذا سلم وثب كأنه على رضفة ـ يعني : الحجر المحمى ـ ونقل ابن يونس الصقلي عن ابن وهب عن خارجة أنه كان يعيب على الأئمة قعودهم بعد السلام وقال : إنما كانت الأئمة ساعة تسلم تقوم ، وقال ابن عمر : جلوسه بدعة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لأن يجلس على الرضف خير له من ذلك. وقال مالك في (المدونة) : إذا سلم فليقم ولا يقعد إلا أن يكون في سفر أو في فنائه.
وعدّ الفقهاء إسراع القيام ساعة يسلم من فضائل الصلاة ، ووجهوا ذلك بأن جلوسه هنالك يدخل عليه ، فبه كبر وترفع على الجماعة ، وانفراده بموضوع عنهم يرى به الداخل أنه إمامهم ، وأما انفراده به حال الصلاة فضروري. قال بعض شيوخنا الذين استفدنا منهم : وإذا كان هذا في انفراده في الموضع ، فكيف بما انضاف إليه من تقدمه أمامهم في التوسل به بالدعاء والرغبة وتأمينهم على دعائه جهرا؟ قال : ولو كان هذا حسنا لفعله النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولم ينقل ذلك أحد من العلماء مع تواطئهم على نقل جميع أموره حتى : هل كان ينصرف من الصلاة عن اليمين أو عن الشمال؟
وقد نقل ابن بطال عن علماء السلف إنكار ذلك والتشديد فيه على من فعله بما فيه كفاية.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٩٢ ، الحاشية : ٢.