هذا ما نقله الشيخ بعد أن جعل الدعاء بإثر الصلاة بهيئة الاجتماع دائما بدعة قبيحة ، واستدل على عدم ذلك في الزمان الأول بسرعة القيام والانصراف ، لأنه مناف للدعاء لهم وتأمينهم على دعائه ، بخلاف الذكر ، ودعاء الإنسان لنفسه ، فإن الانصراف وذهاب الانصراف لحاجته غير مناف لهما.
فبلغت الكائنة بعض شيوخ العصر ، فردّ على ذلك الإمام ردا أمرع فيه على خلاف ما عليه الراسخون ، وبلغ من الرد ـ على زعمه ـ إلى أقصى غاية ما قدر عليه. واستدل بأمور إذا تأملها الفطن عرف ما فيها ، كالأمر بالدعاء إثر الصلاة قرآنا وسنة ، وهو ـ كما تقدم ـ لا دليل فيه ، ثم ضم إلى ذلك جواز الدعاء بهيئة الاجتماع في الجملة إلا في أدبار الصلوات ولا دليل فيه أيضا ـ كما تقدم ـ لاختلاف المتأصلين.
وأما في التفصيل فزعم أنه ما زال معمولا به في جميع أقطار الأرض أو في جلها من الأئمة في مساجد الجماعات من غير نكير إلا نكير أبي عبد الله ، ثم أخذ في ذمه وهذا النقل تهور بلا شك ، لأنه نقل إجماع يجب على الناظر فيه والمحتج به قبل التزام عهدته أن يبحث عنه بحث أصل عن الإجماع ، لأنه لا بدّ من النقل عن جميع المجتهدين من هذه الأمة من أول زمان الصحابة رضي الله عنهم إلى الآن ، هذا أمر مقطوع به ، ولا خلاف أنه لا اعتبار بإجماع العوام وإن ادعوا الإمامة.
وقوله : من غير نكير ، تجوز ، بل ما زال الإنكار عليهم من الأئمة فقد نقل الطرطوشي عن مالك في ذلك أشياء تخدم المسألة فحصل إنكار مالك لها في زمانه ، وإنكار الإمام الطرطوشي في زمانه ، واتبع هذا أصحابه وهذا أصحابه ، ثم القرافي قد عدّ ذلك من البدع المكروهة على مذهب مالك ، وسلمه ولم ينكره عليه أهل زمانه ـ فيما نعلمه ـ مع زعمه أن من البدع ما هو حسن.
ثم الشيوخ الذين كانوا بالأندلس حين دخلتها هذه البدعة ـ حسبما يذكر بحول الله ـ وقد أنكروها ، وكان من معتقدهم في ذلك أنه مذهب مالك. وكان الزاهد أبو عبد الله بن مجاهد وتلميذه أبو عمران الميرتلي رحمهماالله ملتزمين لتركها ، حتى اتفق للشيخ أبي عبد الله في ذلك ما سنذكره إن شاء الله.