قال بعض شيوخنا رادّا على بعض من نصر هذا العمل : فإنا قد شاهدنا العمل من الأئمة الفقهاء الصلحاء المتبعين للسنة المتحفظين بأمور دينهم يفعلون ذلك أئمة ومأمورين ، ولم نر من ترك ذلك إلا من شذّ في أحواله ـ فقال ـ وأما احتجاج منكر ذلك بأن هذا لم يزل الناس يفعلونه فلم يأت بشيء ، لأن الناس الذين يقتدى بهم ثبت أنهم لم يكونوا يفعلونه. قال : ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول : لو كان هذا منكرا لما فعله الناس. ثم حكى أثر الموطأ : ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة ـ قال : فإذا كان هذا في عهد التابعين يقول : كثرت الإحداثات فكيف بزماننا؟ ثم هذا الإجماع لو ثبت لزم منه محظور ، لأنه مخالف لما نقل عن الأولين من تركه ، فصار نسخ إجماع بإجماع ، وهذا محال في الأصول.
وأيضا فلا تكون مخالفة المتأخرين لإجماع المتقدمين على سنة حجة على تلك السنة أبدا ، فما أشبه هذه المسألة بما حكي عن أبي علي بشاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري ، قال : كان عبد الله بن الحسن ـ يعني : ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ـ يكثر الجلوس إلى ربيعة ، فتذاكروا يوما فقال رجل كان في المجلس : ليس العمل على هذا فقال عبد الله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام ، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء انتهى. إلا أني أقول : أرأيت إن كثر المقلدون ثم أحدثوا بآرائهم فحكموا بها ، أفهم الحجة على السنّة ولا كرامة؟
ثم عضد ما ادعاه بأشياء من جملتها (قوله). ومن أمثال الناس : أخطئ مع الناس ولا تصب وحدك ، أي : أن خطأهم هو الصواب ، وصوابك هو الخطأ. قال : ومعنى ما جاء في حديث : «عليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (١). فجعل تارك الدعاء على الكيفية المذكورة مخالفا للإجماع ـ كما ترى ـ وحض على اتباع الناس وترك المخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام : «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (٢) ، وكل ذلك مبني على الإجماع الذي ذكروا ، وأن الجماعة هم جماعة الناس كيف كانوا ، وسيأتي معنى الجماعة المذكورة في
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ، ومجمع الزوائد (٥ / ٢١٩).
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : تسوية الصفوف (الحديث : ٦٦٤). وأخرجه النسائي في كتاب : الإمامة ، باب : كيف يقوم الإمام الصفوف (الأحاديث : ٢ / ٨٩ ، ٩٠).