حديث الفرق ، وأنها المتبعة للسنة وإن كانت رجلا واحدا في العالم.
قال بعض الحنابلة : لا تعبأ بما يعرض من المسائل ويدعي فيها الصحة بمجرد التهويل أو بدعوى أن لا خلاف في ذلك : وقائل ذلك لا يعلم أحدا قال فيها بالصحة فضلا عن نفي الخلاف فيها ، وليس الحكم فيها من الجليات التي لا يقدر المخالف ، قال : وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد بن حنبل : من ادّعى الإجماع فهو كاذب وإنما هذه دعوى كثير ، وابن علية يريدون أن يبطلوا السنن بذلك ، يعني أحمد : أن المتكلمين في الفقه على أهل البدع إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا : هذا خلاف الإجماع ، وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن بعض فقهاء المدينة أو فقهاء الكوفة ـ مثلا ـ فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء واجترائهم على رد السنن بالآراء ، حتى كان بعضهم يسرد عليه الأحاديث الصحيحة في خيار المجلس ونحوه من الأحكام فلا يجد لها معتصما إلا أن يقول : هذا لم يقل به أحد من العلماء ، وهو لا يعرف إلا أبا حنيفة أو مالكا ، لم يقولوا بذلك ، ولو كان له علم لرأى من الصحابة والتابعين وتابعيهم ممن قال بذلك خلقا كثيرا.
ففي هذا الكلام إرشاد لمعنى ما نحن فيه ، وأنه لا ينبغي أن ينقل حكم شرعي عن أحد من أهل العلم إلا بعد تحققه والتثبت ، لأنه مخبر عن حكم الله ، فإياكم والتساهل فإنه مظنة الخروج عن الطريق الواضح إلى السيئات.
ثم عدّ من المفاسد في مخالفة الجمهور أنه يرميهم بالتجهيل والتضليل ، وهذا دعوى من خالفه فيما قال ، وعلى تسليمها ، فليست بمفسدة على فرض اتباع السنة ، وقد جاء عن السلف الحض على العمل بالحق ، وعدم الاستيحاش من قلة أهله.
وأيضا فمن شنع على المبتدع بلفظ الابتداع فاطلق العبارة بالنسبة إلى المجتمعين يوم عرفة بعد العصر للدعاء في غير عرفة ـ إلى نظائرها ـ فتشنيعه حق كما يقول بالنسبة إلى بشر المريسي ومعبد الجهني وفلان ، ولا يدخل بذلك ـ إن شاء الله ـ في حديث : «من قال : هلك الناس فهو أهلكهم» (١) لأن المراد أن يقول ذلك ترفعا على الناس واستحقارا ، وأما إن قاله
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : النهي عن قول هلك الناس (الحديث : ٢٦٢٣). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الكلام ، باب : ما يكره من الكلام (الحديث : ٢ / ٩٨٤). وأخرجه ـ