تحزنا وتحسرا فلا بأس. قال بعضهم : ونحن نرجو أن نعرج على ذلك ـ إن شاء الله ـ فالاستدلال به ليس على وجهه.
وعدّ من المفاسد الخوف من فساد نيته بما يدخل عليه من العجب والشهرة المنهي عنها ، فكأنه يقول : أترك اتباع السنّة في زمان الغربة خوف الشهرة ودخول العجب. وهذا شديد من القول وهو معارض بمثله ، فإن انتصابه لأن يكون داعيا للناس بإثر صلواتهم دائما مظنة لفساد نيته بما يدخل عليه من العجب والشهرة ، وهو تعليل القرافي ، وهو أولى في طريق الاتباع ، فصار تركه للدعاء لهم مقرونا بالاقتداء بخلاف الداعي فإنه في غير طريق من تقدم فهو أقرب إلى فساد النية.
وعدّ منها ما يظن به من القول برأي أهل البدع القائلين بأن الدعاء غير نافع ، وهذا كالذي قبله ، لأنه يقول للناس : اتركوا اتباع النبي صلىاللهعليهوسلم في ترك الدعاء بهيئة الاجتماع بعد الصلوات لئلا يظن بكم الابتداع. وهذا كما ترى.
قال ابن العربي : ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس منه ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وتفعله الشيعة ـ قال ـ فحضر عندي يوما في محرس أبي الشعراء بالثغر موضع تدريسي عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف الأول وأنا في مؤخره قاعدا على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعي في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده في نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب المنار ، فلما رفع الشيخ الفهري يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه ، قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترى إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا؟ قوموا إليه فاقتلوه وارموا به في البحر فلا يراكم أحد ، فطار قلبي من بين جوانحي ، وقلت : سبحان الله! هذا الطرطوشي فقيه الوقت ، فقالوا لي : ولم يرفع يديه؟ فقلت : كذلك كان النبي صلىاللهعليهوسلم يفعل ، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه ، وجعلت أسكنهم وأسكنهم حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغير وجهي فأنكره ، وسألني فأعلمته فضحك ، وقال : من أين لي أن أقتل على سنّة؟ فقلت له : ويحل لك هذا ، فإنك بين
__________________
ـ أبو داود في كتاب : الأدب ، باب : لا يقال خبثت نفسي (الحديث : ٤٩٨٣).