٧ ـ باب : في الابتداع هل يدخل في الأمور العادية
أم يختص بالأمور العبادية؟
قد تقدم في حد البدعة ما يقتضي الخلاف فيه : هل يدخل في الأمور العادية أم لا؟ أما العبادية فلا إشكال في دخوله فيها ، وهي عامة الباب ، إذ الأمور العبادية إما أعمال قلبية وأمور اعتقادية ، وإما أعمال جوارح من قول أو فعل ، وكلا القسمين قد دخل فيه الابتداع كمذهب القدرية والمرجئة ، والخوارج والمعتزلة ، وكذلك مذهب الإباحة واختراع العبادات على غير مثال سابق ولا أصل مرجوع إليه.
وأما العادية فاقتضى النظر وقوع الخلاف فيها وأمثلتها ظاهرة مما تقدم في تقسيم البدع ، كالمكوس والمحدثة من المظالم ، وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة ، وإقامة صور الأئمة وولاة الأمور والقضاة ، واتخاذ المناخل وغسل اليد بالأشنان ولبس الطيالس (١) وتوسيع الأكمام ، وأشباه ذلك من الأمور التي لم تكن في الزمن الفاضل والسلف الصالح ، فإنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها ، وشاعت وذاعت فلحقت بالبدع ، وصارت كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة ، وهذا من الأدلة الدلة على ما قلنا ، وإليه مال القرافي وشيخه ابن عبد السلام ، وذهب إليه بعض السلف.
فروى أبو نعيم الحافظ ، عن محمد بن أسلم أنه ولد به ولد ـ قال محمد بن القاسم الطوسي ـ فقال : اشتر لي كبشين عظيمين ودفع إليّ دراهم ، فاشتريت له وأعطاني عشرة أخرى ، وقال لي : اشتر بها دقيقا ولا تنخله واخبزه ، قال : فنخلت الدقيق وخبزته ثم جئت به ، فقال : نخلت هذا؟ وأعطاني عشرة أخرى وقال : اشتر به دقيقا ولا تنخله واخبزه ، فخبزته
__________________
(١) الطيالس : جمع الطيلس ، وهو ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف أو يحيط بالبدن ، خال عن التفصيل والخياطة ، أو ما يعرف بالعامية المصرية بالشال.