على حسبه ، كما أن البدعة لم يقصد بها صاحبها منازعة الشارع ولا التهاون بالشرع ، وإنما قصد الجري على مقتضاه ، لكن بتأويل زاده ورجحه على غيره ، بخلاف ما إذا تهاون بصغرها في الشرع فإنه إنما تهاون بمخالفة الملك الحق ، لأن النهي حاصل ومخالفته حاصلة ، والتهاون بها عظيم ، ولذلك يقال : لا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى عظمة من واجهته بها.
وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في حجة الوداع : «أي يوم هذا؟» قالوا : يوم الحج الأكبر ، قال : «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، لا يجني جان إلا على نفسه ، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده ، ألا وإن الشيطان قد يئس ألّا يعبد في بلدكم هذا أبدا ، ولا تكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به» (١) ، فقوله عليه الصلاة والسلام : «فسيرضى به» دليل على عظم الخطب فيما يستحقر.
وهذا الشرط مما اعتبره الغزالي في هذا المقام ، فإنه ذكر في الإحياء أن مما تعظم به الصغيرة أن يستصغرها ، قال : فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله ، وكلما استصغره كبر عند الله ، ثم بين ذلك وبسطه.
فإذا تحصلت هذه الشروط فإذا ذاك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة ، فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة ، أو خيف أن تصير كبيرة ، كما أن المعاصي كذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : تفسير سورة التوبة ، وأخرجه في كتاب : الفتن ، باب : تحريم الدماء (الأحاديث : ٣٠٨٧ ، ٢٦١٠).