ضلالة» وما أشبه ذلك. وإما أن نقول : إن الحديث وإن لم يكن في لفظه دلالة ففي معناه ما يدل على قصده في الجملة ، وبيانه تعرض لذكر الطرفين الواضحين.
أحدهما : طرف السلامة والنجدة من غير داخلة شبهة ولا إلمام بدعة ، وهو قوله : «ما أنا عليه وأصحابي».
والثاني : طرف الإغراق في البدعة ، وهو الذي تكون فيه البدعة كلية أو تخرم أصلا كليا ، جريا على عادة الله في كتابه العزيز ، لأنه تعالى لما ذكر أهل الخير وأهل الشرّ ذكر كل فريق منهم بأهلي ما يحمل من خير أو شر ، ليبقى المؤمن فيها بين الطرفين خائفا راجيا ، إذ جعل التنبيه بالطرفين الواضحين ، فإن الخير على مراتب بعضها أعلى من بعض ، والشر على مراتب بعضها أشد من بعض ، فإذا ذكر أهل الخير الذين في أعلى الدرجات خاف أهل الخير الذين دونهم أن لا يلحقوا بهم ، أو رجوا أن يلحقوا بهم ، وإذا ذكر أهل الشر الذين في أسفل المراتب خاف أهل الشر الذين دونهم أن يلحقوا بهم ، أو رجوا أن لا يلحقوا بهم.
وهذا المعنى معلوم بالاستقراء ، وذلك الاستقراء ـ إذا تم ـ يدل على قصد الشارع إلى ذلك المعنى ؛ ويقويه ما روى سعيد بن منصور في تفسيره عن عبد الرحمن بن ساباط قال : لما بلغ الناس أن أبا بكر يريد أن يستخلف عمر قالوا : ما ذا يقول لربه إذا لقيه؟ استخلف علينا فظا غليظا ـ وهو لا يقدر على شيء ـ فكيف لو قدر. فبلغ ذلك أبا بكر فقال : أبربي تخوفوني؟ أقول : استخلفت خير خلقك. ثم أرسل إلى عمر فقال : إن لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار ، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل ، واعلم أنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم! وذلك أنه ردّ عليهم حسنة فلم يقبل منهم حتى يقول القائل : عملي خير من هذا ؛ ألم تر أن الله أنزل الرغبة والرهبة لكي يرغب المؤمن فيعمل ويرهب ، فلا يلقي بيده إلى التهلكة؟ ألم تر إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وتركهم الباطل فثقل عملهم؟ وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل ، ألم تر إنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وتركهم الحق؟ وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف ـ ثم قال ـ : أما إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ، وأنت لا بد لاقيه ، وإن ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ولا تعجزه.