والصواب ، فكذلك يجوز أن تكون الفرق في هذه الأمة ، لو لا أن الحديث أخبر أن الناجية واحدة.
فالجواب :
أولا : أن ذلك الحديث لم نشترط الصحة في نقله ، إذ لم نجده في الكتب التي لدينا المشترط فيها الصحة.
وثانيا : أن تلك الفرق إن عدت هنا ثلاثا فإنما عدت هناك واحدة لعدم الاختلاف بينهم في أصل الاتباع ، وإنما الاختلاف في القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عدمها ، وفي كيفية الأمر والنهي خاصة.
فهذه الفرق لا تنافي صحة الجمع بينهما ، فنحن نعلم أن المخاطبين في ملتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مراتب : فمنهم من يقدر على ذلك باليد وهم الملوك والحكام ومن أشبههم ، ومنهم من يقدر باللسان كالعلماء ومن قام مقامهم ، ومنهم من لا يقدر إلا بالقلب ـ إما مع البقاء بين ظهرانيهم إذ لم يقدر على الهجرة أو مع الهجرة إن قدر عليها ـ وجميع ذلك خصلة واحدة من خصال الإيمان ، ولذلك جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : «ليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل» (١).
فإذا كان كذلك فلا يضرنا عدّ الناجية في بعض الأحاديث ثلاثا باعتبار ، وعدها واحدة باعتبار آخر ، وإنما يبقى النظر في عدها اثنتين وسبعين فتصير بهذا الاعتبار سبعين ، وهو معارض لما تقدم من جهة الجمع بين فرق هذه الأمة وفرق غيرها ، مع قوله : «لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع» (٢).
ويمكن أن يكون في الجواب أحد أمرين : إما أن يترك الكلام في هذا رأسا إذا خالف
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب : الإيمان ، باب : كون النهي عن المنكر من الإيمان (الحديث : ٥٠).
(٢) تقدم تخريجه ص : ٥٠٣ ، الحاشية : ٢.