كثيرة ، كقوله : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (١) ، وقوله : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٢) ، وقوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ) (٣) ، وما أشبه ذلك ، فإذا كل مبتدع مذموم آثم.
والثالث : أن عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح ، فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع ، فهو المقدم في نحلهم بحيث لا يتهمون العقل ، وقد يتهمون الأدلة إذا لم توافقهم في الظاهر ، حتى يردوا كثيرا من الأدلة الشرعية.
وقد علمت ـ أيها الناظر ـ أنه ليس كل ما يقضي به العقل يكون حقّا ، ولذلك تراهم يرتضون اليوم مذهبا ويرجعون عنه غدا ، ثم يصيرون بعد غد إلى رأي ثالث. ولو كان كل ما يقضي به حقّا لكفى في إصلاح معاش الخلق ومعادهم ، ولم يكن لبعثة الرسل عليهمالسلام فائدة ؛ ولكان على هذا الأصل تعد الرسالة عبثا لا معنى له ، وهو كله باطل ، فما أدى إليه مثله.
فأنت ترى أنهم قدموا أهواءهم على الشرع ، ولذلك سمّوا في بعض الأحاديث وفي إشارة القرآن أهل الأهواء ، وذلك لغلبة الهوى على عقولهم واشتهاره فيهم ، لأن التسمية بالمشتق إنما يطلق إطلاق اللقب إذا غلب ما اشتقت منه على المسمى بها ، فإذا تأثيم من هذه صفته ظاهر ، لأن مرجعه إلى اتباع الرأي وهو اتباع الهوى المذكور آنفا.
والرابع : أن كل راسخ لا يبتدع أبدا ، وإنما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم الذي ابتدع فيه ، حسبما دل عليه الحديث ويأتي تقريره بحول الله ، فإنما يؤتى الناس من قبل جهالهم الذين يحسبون أنهم علماء ، وإذا كان كذلك فاجتهاد من اجتهد منهيّ عنه إذ لم يستكمل شروط الاجتهاد ، فهو على أصل العمومية ، ولما كان العامي حراما عليه النظر في الأدلة والاستنباط ، كان المخضرم الذي بقي عليه كثير من الجهلات مثله في تحريم الاستنباط والنظر المعمول به ، فإذا أقدم على محرم عليه كان آثما بإطلاق.
__________________
(١) سورة : القصص ، الآية : ٥٠.
(٢) سورة : ص ، الآية : ٢٦.
(٣) سورة : الكهف ، الآية : ٢٨.