ترى إلى صنع علي رضي الله عنه في الخوارج؟ وكونه عاملهم في قتالهم معاملة أهل الإسلام على مقتضى قول الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) (١) ، الآية ، فإنه لما اجتمعت الحرورية وفارقت الجماعة لم يهيجهم عليّ ولا قاتلهم ، ولو كانوا بخروجهم مرتدين لم يتركهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «من بدّل دينه فاقتلوه» (٢) ولأن أبا بكر رضي الله عنه خرج لقتال أهل الردة ولم يتركهم ، فدلّ ذلك على اختلاف ما بين المسألتين.
وأيضا ، فحين ظهر معبد الجهني وغيره من أهل القدر لم يكن من السلف الصالح لهم إلا الطرد والإبعاد والعداوة والهجران ، ولو كانوا خرجوا إلى كفر محض لأقاموا عليهم الحد المقام على المرتدين ، وعمر بن عبد العزيز أيضا لم خرج في زمانه الحرورية بالموصل أمر بالكف عنهم على ما أمر به علي رضي الله عنه ، ولم يعاملهم معاملة المرتدين.
ومن جهة المعنى! إنا وإن قلنا : إنهم متبعون الهوى ، ولما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فإنهم ليسوا بمتبعين للهوى بإطلاق ، ولا متبعين لما تشابه من الكتاب من كل وجه ، ولو فرضنا أنهم كذلك لكانوا كفارا ، إذ لا يتأتى ذلك من أحد في الشريعة إلا مع رد محكماتها عنادا ، وهو كفر. وأمّا من صدق الشريعة ومن جاء بها ، وبلغ فيها مبلغا يظن به أنه متبع للدليل بمثله ، لا يقال : إنه صاحب هوى بإطلاق ، بل هو متبع للشرع في نظره ، لكن بحيث يمازجه الهوى في مطالبه من جهة إدخال الشبه في المحكمات بسبب اعتبار المتشابهات ، فشارك أهل الهوى في دخول الهوى في نحلته ، وشارك أهل الحق في أنه لا يقبل إلا ما دلّ عليه الدليل على الجملة.
وأيضا ، فقد ظهر منهم اتحاد القصد مع أهل السنة على الجماعة من مطلب واحد ، وهو الانتساب إلى الشريعة. ومن أشد مسائل الخلاف ـ مثلا ـ مسألة إثبات الصفات حيث نفاها من نفاها ، فإنا إذا نظرنا إلى مقاصد الفريقين وجدنا كل واحد منهما حائما حول حمى
__________________
(١) سورة : الحجرات ، الآية : ٩.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الأقضية ، باب : القضاء فيمن ارتد (الحديث : ٢ / ٧٣٦) ولفظه : «من غيّر دينه فاضربوا عنقه» ، وقد وصله البخاري عن طريق أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس.