رضي الله عنه قال : أتى مشركو قريش إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يخاصمون في القدر فنزلت الآية (١). وروى مجاهد وغيره أنها نزلت في المكذبين بالقدر ، ولكن إن صح ففيه دليل ، وإلا فليس في الآية ما يعين أنهم من الفرق ، وكلامنا فيه.
والثاني : حيث تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزيينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده ، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس ، وهم من شياطين الإنس ، فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة ، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشهود على أنهم منهم ، كما اشتهر عن عمرو بن عبيد وغيره ، فروى عاصم الأحول قال : جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه ونال فيه ، فقلت : أبا الخطاب! ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؟ فقال : يا أحول أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تحذر؟ فجئت من عند قتادة وأنا مغتم بما سمعت من قتادة في عمرو بن عبيد ، وما رأيت من نسكه وهديه ، فوضعت رأسي نصف النهار وإذا عمرو بن عبيد والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله ، فقلت : سبحان الله! تحك آية من كتاب الله؟ قال : إني سأعيدها ، قال : فتركته حتى حكها ، فقلت له : أعدها ، فقال : لا أستطيع.
فمثل هؤلاء لا بدّ من ذكرهم والتشريد بهم ، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا ، أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة. ولا شك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم ـ إذا أقيم ـ عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم ، وإذا تعارض الضرران يرتكب أخفهما وأسهلهما ، وبعض الشر أهون من جميعه ، كقطع اليد المتأكلة ، إتلافها أسهل من إتلاف النفس ، وهذا شأن الشرع أبدا : يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل.
فإذا فقد الأمران فلا ينبغي أن يذكروا لأن يعينوا وإن وجدوا ، لأن ذلك أول مثير للشر وإلقاء العداوة ، والبغضاء ، ومتى حصل باليد منهم أحد ذاكره برفق ، ولم يره أنه خارج من السنّة ، بل يريه أنه مخالف للدليل الشرعي ، وأن الصواب الموافق للسنة كذا وكذا ، فإن فعل
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب : القدر ، باب : كل شيء بقدر (الحديث : ٢٦٥٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة النجم (الحديث : ٣٢٨٦).