وهذا التفريق ـ كما تقدم ـ إنما هو الذي يصير الفرقة الواحدة فرقا والشيعة الواحدة شيعا.
قال بعض العلماء : صاروا فرقا لاتباع أهوائهم ، وبمفارقة الدين تشتتت أهواؤهم فافترقوا ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) ثم برأه الله منهم بقوله : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١) وهم أصحاب البدع وأصحاب الضلالات ، والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله.
قال : ووجدنا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يتفرقوا ، ولا صاروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين ، وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد إلى الرأي ، والاستنباط من الكتاب والسنّة فيما لم يجدوا فيه نصّا ، واختلف في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين ، لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به كاختلاف أبي بكر وعمر وعلي وزيد في الجد مع الأم ، وقول عمر وعلي في أمهات الأولاد ، وخلافهم في الفريضة المشتركة ، وخلافهم في الطلاق قبل النكاح ، وفي البيوع وغير ذلك فقد اختلفوا فيه وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح ، وإخوة الإسلام فيما بينهم قائمة ، فلما حدثت الأهواء المردية ، التي حذر منها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وظهرت العداوات وتحزب أهلها فصاروا شيعا ، دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه.
قال : كل مسألة حدثت في الإسلام واختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة ، علمنا أنها من مسائل الإسلام ، وكل مسألة حدثت وطرأت فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة ، علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء ، وأنها التي عنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتفسير الآية.
وذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عائشة (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) (٢) من هم؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : هم أصحاب
__________________
ـ ٤٤٢). وأخرجه مسلم (٥ / ١٣٠). وأخرجه أحمد في المسند (٢ / ٣٢٧ ، ٣٦٠ ، ٣٦٧).
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.