فخرّج الطبري عن مدرك بن عمران ، قال : كتب رجل إلى عمر رضي الله عنه : فادع الله لي ، فكتب إليه عمر : إني لست بنبي ، ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر الله لذنبك ، فأباية عمر رضي الله عنه في هذا الموضع ليس من جهة أصل الدعاء ، ولكن من جهة أخرى ، وإلّا تعارض كلامه مع ما تقدم فكأنه فهم من السائل أمرا زائدا على الدعاء فلذلك قال : لست بنبي. ويدلك على هذا ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال : استغفر لي ، فقال : غفر الله لك. ثم أتاه آخر فقال : استغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ولا لذاك ، أنبي أنا؟ فهذا أوضح في أنه فهم من السائل أمرا زائدا ، وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي ، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك ، أو يعتقد أنه سنة تلزم ، أو يجري في الناس مجرى السنن الملتزمة.
ونحوه عن زيد بن وهب أن رجلا قال لحذيفة رضي الله عنه : استغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ، ثم قال : هذا يذهب إلى نسائه فيقول استغفر لي حذيفة أترضين أن أدعو الله أن تكنّ مثل حذيفة؟ فدلّ هذا على أنه وقع في قلبه أمر زائد يكون الدعاء له ذريعة حتى يخرج عن أصله ، لقوله بعد ما دعا على الرجل : هذا يذهب إلى نسائه فيقول كذا ، أي : فيأتي نساءه لمثلها ، ويشتهر الأمر حتى يتخذ سنّة ، ويعتقد في حذيفة ما لا يحبه هو لنفسه ، وذلك يخرج المشروع عن كونه مشروعا ، ويؤدي إلى التشيع واعتقاد أكثر مما يحتاج إليه.
وقد تبين هذا المعنى بحديث رواه ابن علية عن ابن عن ، قال : جاء رجل إلى إبراهيم ، فقال : يا أبا عمران! ادع الله أن يشفيني ، فكره ذلك إبراهيم وقطب وقال : جاء رجل إلى حذيفة ، فقال : ادع الله أن يغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ، فتنحى الرجل فجلس ، فلما كان بعد ذلك ، قال : فأدخلك الله مدخل حذيفة أقد رضيت؟ الآن يأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصر شأنه ، ثم ذكر إبراهيم السنّة فرغب فيها وذكر ما أحدث الناس فكرهه.
وروى منصور عن إبراهيم قال : كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض : استغفر لنا.
فتأملوا يا أولي الألباب ما ذكره العلماء من هذه الأصنام المنضمة إلى الدعاء ، حتى كرهوا الدعاء إذا انضم إليه ما لم يكن عليه سلف الأمة ، فقس بعقلك ما ذا كانوا يقولون في دعائنا اليوم بآثار الصلاة ، بل في كثير من المواطن ، وانظروا إلى اسبتارة