وتقبيحها والهروب عنها ، وعمن اتّسم بشيء منها ، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية ، فهو ـ بحسب الاستقراء ـ إجماع ثابت ، فدلّ على أن كل بدعة ليست بحق ، بل هي من الباطل.
والرابع : أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه ، لأنه من باب مضادة الشارع واطّراح الشرع ، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح ، وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم ، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقّة الشارع ، وقد تقدم بسط هذا في أول الباب الثاني. وأيضا فلو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن الذم لم يتصور لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون كذلك ، وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها ، إذ لو قال الشارع : المحدثة الفلانية حسنة لصارت مشروعة ، كما أشاروا إليه في الاستحسان حسبما يأتي إن شاء الله.
ولما ثبت ذمها ثبت ذم صاحبها لأنها ليست بمذمومة من حيث تصورها فقط ، بل من حيث اتصف بها المتصف ، فهو إذا المذموم على الحقيقة ، والذم خاص التأثيم ، فالمبتدع مذموم آثم ، وذلك على الإطلاق والعموم ، ويدل على ذلك أربعة أوجه :
أحدها : أن الأدلة المذكورة إن جاءت فيهم نصا فظاهر ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١) ، وقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٢) ، إلى آخر الآية.
وقوله عليه الصلاة والسلام : «فليذادن رجال عن حوضي» (٣) الحديث ، إلى سائر ما نص فيه عليهم ، وإن كانت نصّا في البدعة فراجعة المعنى إلى المبتدع من غير إشكال ، وإذا رجع الجميع إلى ذمهم ، رجع الجميع إلى تأثيمهم.
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.
(٣) تقدم تخريجه ص : ٥٤ ، الحاشية : ٤.