ومعنى المتشابه : ما أشكل معناه ، ولم يبين مغزاه ، سواء كان من المتشابه الحقيقي ـ كالمجمل من الألفاظ وما يظهر من التشبيه ـ أو من المتشابه الإضافي ، وهو ما يحتاج في بيان معناه الحقيقي إلى دليل خارجي ، وإن كان في نفسه ظاهر المعنى لبادي الرأي ، كاستشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (١) فإن ظاهر الآية صحيح على الجملة.
وأما على التفصيل فمحتاج إلى البيان ، وهو ما تقدم ذكره لابن عباس رضي الله عنهما ، لأنه بين أن الحكم لله تارة بغير تحكيم لأنه إذا أمرنا بالتحكيم فالحكم به حكم الله.
وكذلك قولهم : قاتل ولم يسب ، فإنهم حصروا التحكيم في القسمين وتركوا قسما ثالثا وهو الذي نبه قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) (٢) الآية ، فهذا قتال من غير سبي ، لكن ابن عباس نبههم على وجه أظهر وهو أن السباء إذا حصل فلا بد من وقوع بعض المقاتلين على أم المؤمنين ، وعند ذلك يكون حكمها حكم السبايا في الانتفاع بها كالسبايا ، فيخالفون القرآن الذي ادّعوا التمسك به.
وكذلك في محو الاسم من إمارة المؤمنين ، اقتضى عندهم أنه إثبات لإمارة الكافرين ، وذلك غير صحيح لأن نفي الاسم منها لا يقتضي نفي المسمى.
وأيضا ، فإن فرضنا أنه يقتضي نفي المسمى لم يقتض إثبات إمارة أخرى ، فعارضهم ابن عباس بمحو النبي صلىاللهعليهوسلم اسم الرسالة من الصحيفة ، معارضة لا قبل لهم بها ، ولذلك رجع منهم ألفان ـ أو من رجع منهم ـ.
فتأملوا وجه اتباع المتشابهات ، وكيف أدّى إلى الضلال والخروج عن الجماعة ،
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.
(٢) سورة : الحجرات ، الآية : ٩.