قال بعض أهل العلم : تقدير هذا الحديث يدل على أنه لا يؤتى الناس قط من قبل علمائهم ، وإنما يؤتون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم ، فيؤتى الناس من قبله ، وقد صرّف هذا المعنى تصريفا ، فقيل : ما خان أمين قط ولكنه ائتمن غير أمين فخان ، قال : ونحن نقول : ما ابتدع عالم قط ، ولكنه استفتى من ليس بعالم.
قال مالك بن أنس : بكى ربيعة يوما بكاء شديدا ، فقيل له : مصيبة نزلت بك؟ فقال : لا! ولكن استفتى من لا علم عنده.
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قبل الساعة سنون خداعا ، يصدق فيهن الكاذب ، ويكذب فيهن الصادق ، ويخون فيهن الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وينطق فيهن الرويبضة» (١) قالوا : هو الرجل التافه الحقير ينطق في أمور العامة ، كأنه ليس بأهل أن يتكلم في أمور العامة فيتكلم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قد علمت من يهلك الناس! إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم ، فإذا اخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا.
واختلف العلماء فيما أراد عمر بالصغار ؛ فقال ابن المبارك : هم أهل البدع ، وهو موافق ، لأن أهل البدع أصاغر في العلم ، ولأجل ذلك صاروا أهل بدع.
وقال الباجي : يحتمل أن يكون الأصاغر من لا علم عنده. «قال» : وقد كان عمر يستشير الصغار ، وكان القراء أهل مشاورته كهولا وشبانا. «قال» : ويحتمل أن يريد بالأصاغر من لا قدر له ولا حال ، ولا يكون ذلك إلا بنبذ الدين والمروءة ، فأما من التزمهما فلا بد أن يسمو أمره ، ويعظم قدره.
ومما يوضح هذا التأويل ما خرّجه ابن وهب بسند مقطوع عن الحسن قال : العامل
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند (٢ / ٣٣٨) وأخرجه ابن ماجه في كتاب : الفتن ، باب : شدة الزمان (الحديث : ٤٠٣٦).