واعلموا أنه حيث قلنا : إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفا لها أو كالوصف ، فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة : إما بالقصد ، وإما بالعادة ، وإما بالشرع أو النقصان.
أما بالعادة : فكالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان ، فإن بينه وبين الذكر المشروع بونا بعيدا ، إذ هما كالمتضادين عادة ، وكالذي حكى ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه ، قال : مرّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول : سبحوا عشرا وهلّلوا عشرا ، فقال عبد الله : إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم أو أضل بل هذه (يعني : أضل) ، وفي رواية عنه أن رجلا كان يجمع الناس فيقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة سبحان الله ـ قال ـ فيقول القوم ، ويقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة الحمد لله ـ قال ـ فيقول القوم ـ قال ـ فمرّ بهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال لهم : هديتم لما لم يهد نبيكم! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة.
وذكر له أن ناسا بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد ، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كوما من حصى ـ قال ـ فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : لقد أحدثتم بدعة وظلما ، وقد فضلتم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم علما؟ فهذه أمور أخرجت الذكر المشروع كالذي تقدم من النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، أو الصلوات المفروضة إذا صليت قبل أوقاتها ، فإنا قد فهمنا من الشرع القصد إلى النهي عنها ، والمنهي عنه لا يكون متعبدا به وكذلك صيام يوم العيد.
وخرج ابن وضاح من حديث أبان بن أبي عباس ، قال : لقيت طلحة بن عبيد الله الخزاعي ، فقلت له : قوم من إخوانك من أهل السنّة والجماعة لا يطعنون على أحد من المسلمين ، يجتمعون في بيت هذا يوما وفي بيت هذا يوما ، ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونها ، وقال طلحة : بدعة من أشد البدع ، والله لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من عبادتهم ، ثم استيقظ أنس بن مالك رضي الله عنه فرقيت إليه وسألته كما سألت طلحة ، فردّ على مثل قول طلحة ، كأنهما كانا على ميعاد ، فجعل صوم تلك الأيام من تعظيم ما تعظمه المجوس وذاك القصد لو كان أفسد العبادة فكذلك ما كان نحوه.
وعن يونس بن عبيد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد! ما ترى في مجلسنا هذا؟ قوم من أهل السنة والجماعة لا يطعنون على أحد نجتمع في بيت هذا يوما ، وفي بيت هذا يوما ،