فقد تعبد ببدعة حقيقية لا إضافية ، فلا جهة لها إلى المشروع بل غلبت عليها جهة الابتداع ، فلا ثواب فيها على ذلك التقدير ، فلو فرضنا قائلا يقول بصحة الصلاة الواقعة في وقت الكراهية ، أو صحة الصوم الواقع يوم العيد ، فعلى فرض أن النهي راجع إلى أمر لم يصر للعبادة كالوصف بل الأمر منفك منفرد ـ حسبما تبين بحول الله.
ويدخل في هذا القسم ما جرى به العمل في بعض الناس كالذي حكى القرافي عن العجم في اعتقاد كون صلاة الصبح يوم الجمعة ثلاث ركعات ، فإن قراءة سورة السجدة لما التزمت فيها وحوفظ عليها اعتقدوا فيها الركنية فعدوها ركعة ثالثة ، فصارت السجدة إذا وصفا لازما وجزءا من صلاة صبح الجمعة ، فوجب أن تبطل.
وعلى هذا الترتيب ينبغي أن تجري العبادات المشروعة إذا خصت بأزمان مخصوصة بالرأي المجرد ، من حيث فهمنا أن للزمان تلبسا بالأعمال على الجملة ، فصيرورة ذلك الزائد وصفا للمزيد فيه مخرج له عن أصله ، وذلك أن الصفة مع الموصوف من حيث هي صفة له لا تفارقه هي من جملته.
وذلك لأنا نقول : إن الصفة هي عين الموصوف إذا كانت لازمة له حقيقة أو اعتبارا ، ولو فرضنا ارتفاعها عنه لارتفع الموصوف من حيث هو موصوف بها ، كارتفاع الإنسان بارتفاع الناطق أو الضاحك ، فإذا كانت الصفة الزائدة على المشروع على هذه النسبة صار المجموع منهما غير مشروع ، فارتفع اعتبار المشروع الأصلي.
ومن أمثلة ذلك : أيضا قراءة بالإدارة على صوت واحد ، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة ، وكذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الزوايا وربما لطف اعتبار الصفة فيشك في بطلان المشروعية ، كما وقع في العتبية عن مالك في مسألة الاعتماد في الصلاة لا يحرك رجليه ، وأن أول من أحدثه رجل قد عرف ـ قال ـ وقد كان مساء (أي يساء الثناء عليه) فقيل له : أفعيب؟ قال : قد عيب عليه ذلك ، وهذا مكروه من الفعل ؛ ولم يذكر فيها أن الصلاة باطلة وذلك لضعف وصف الاعتماد أن يؤثر في الصلاة ، ولطفه بالنسبة إلى كمال هيئتها ، وهكذا ينبغي أن يكون النظر في المسألة بالنسبة إلى اتصاف العمل بما يؤثر فيه أو لا يؤثر فيه ، فإذا غلب الوصف على العمل كان أقرب إلى الفساد ، وإذا لم يغلب لم يكن أقرب وبقي في حكم النظر ، فيدخل هاهنا نظر الاحتياط للعبادة إذا صار العمل في الاعتبار من المتشابهات.