وكثير من هذا عن السلف الصالح.
وقد كره مالك إتباع رمضان بست من شوال ، ووافقه أبو حنيفة فقال : لا أستحبها ، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح ، وأخبر مالك عن غيره ممن يقتدى به أنهم كانوا لا يصومونها ويخافون بدعتها.
ومنه ما تقدم في اتباع الآثار كمجيء «قبا» ونحو ذلك.
وبالجملة : فكل عمل أصله ثابت شرعا إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنّة ، فتركه مطلوب في الجملة أيضا ، من باب سد الذرائع ولذلك كره مالك دعاء التوجه بعد الإحرام وقبل القراءة ، وكره غسل اليد قبل الطعام ، وأنكر على من جعل ثوبه في المسجد أمامه في الصف.
ولنرجع إلى ما كنا فيه ، فاعلموا أنه إن ذهب مجتهد إلى عدم سد الذريعة في غير محل النص مما يتضمنه هذا الباب ، فلا شك أن العمل الواقع عنده مشروع ويكون لصاحبه أجره ، ومن ذهب إلى سدها ـ ويظهر ذلك من كثير من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم ـ فلا شك أنّ ذلك العمل ممنوع ؛ ومنعه يقتضي بظاهره أنه ملوم عليه ، وموجب للذم إلا أن يذهب إلى أن النهي فيه راجع إلى أمر مجاور ، فهو محل نظر واشتباه ربما يتوهم فيه انفكاك الأمرين ، بحيث يصح أن يكون العمل مأمورا به من جهة نفسه ، ومنهيا عنه من جهة مآله. ولنا فيه مسلكان :
أحدهما : التمسك بمجرد النهي في أصل المسألة ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) (١) وقوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢) وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يجمع بين المتفرق ، ويفرق المجتمع ، خشية الصدقة ، ونهى عن بيع السلف ، وعلله العلماء بالربا المتذرع إليه في ضمن السلف ، ونهى عن الخلوة بالأجنبيات ، وعن سفر المرأة مع غير ذي محرم ، وأما النساء
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٤.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٠٨.