اليوم الطويل في الحر الشديد صائما ، وكان صلىاللهعليهوسلم يواصل الصيام ويبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ونحو ذلك من اجتهاده في عبادة ربه ، وفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسوة حسنة ، ونحن مأمورون بالتأسّي به.
فإن أبيتم هذا الدليل بسبب أنه صلىاللهعليهوسلم كان مخصوصا بهذه القضية ، ولذلك كان ربه يطعمه ويسقيه ، وكان يطيق من العمل ما لا تطيقه أمته. فما قولكم فيما ثبت من ذلك عن الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين العارفين بتلك الأدلة التي استدللتم بها على الكراهية؟ حتى إن بعضهم قعد من رجليه من كثرة التبتل ، وصارت جبهة بعضهم كركبة البعير من كثرة السجود.
وجاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان إذا صلى العشاء أوتر بركعة يقرأ فيها القرآن كله ، وكم من رجل صلى الصبح بوضوء العشاء ، كذا كذا سنة؟! وسرد الصيام كذا وكذا سنة؟! وكانوا هم العارفين بالسنّة لا يميلون عنها لحظة.
وروي عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم أنهما كانا يواصلان الصيام.
وأجاز مالك ـ وهو إمام في الاقتداء ـ صيام الدهر ، يعني : إذا أفطر أيام العيد.
ومما يحكى عن أويس القرني رضي الله عنه أنه كان يقوم ليلة حتى يصبح ، ويقول : بلغني أن لله عبادا ركوعا أبدا وعبادا قياما أبدا ، يريد أن يتنفل بالصلاة ، فتارة يطول فيها القيام ، وتارة الركوع ، وتارة السجود.
وعن الأسود بن يزيد أنه كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر ، فكان علقمة يقول له : ويحك لم تعذب هذا الجسد؟ فيقول : إن الأمر جد ، إن الأمر جد.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأة مسروق قالت : كان يصلي حتى تورمت قدماه ، فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
وعن الشعبيني قال : غشي على مسروق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
__________________
ـ باب : الاختلاف على عائشة في إحياء الليل (الحديث : ٣ / ٢١٩).