وليعتبر فيه من قدم الناقص ـ وهو العقل ـ على الكامل ـ وهو الشرع ـ ورحم الله الربيع ابن خثيم حيث يقول : يا عبد الله! ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله ، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه ، لا تتكلف ، فإن الله يقول لنبيه : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (١) إلى آخرها.
وعن معمر بن سليمان ، عن جعفر ، عن رجل من علماء أهل المدينة ، قال : إن الله علم علما علمه العباد ، وعلم علما لم يعلمه العباد ، فمن تكلف العلم الذي لم يعلّمه العباد لم يزدد منه إلا بعدا ، قال : والقدر منه.
وقال الأوزاعي : كان مكحول والزهري يقولان : أمرّوا هذه الأحاديث كما جاءت ولا تتناظروا فيها : ومثله عن مالك ، والأوزاعي ، وسفيان بن سعيد ، وسفيان بن عيينة ، ومعمر بن راشد ، في الأحاديث في الصفات أنهم أمرّوها كما جاءت ، نحو حديث التنزل ، وخلق آدم على صورته ، وشبههما ، وحديث مالك في السؤال عن الاستواء مشهور.
وجميع ما قالوه مستمد من معنى قوله الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) الآية ، ثم قال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٢) فإنها صريحة في هذا الذي قررناه ، فإن كل ما لم يجر على المعتاد في الفهم متشابه ، فالوقف عنه هو الأحرى بما كان عليه الصحابة المتبعون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ لو كان من شأنهم اتباع الرأي لم يذموه ولم ينهوا عنه ، لأن أحدا لا يرتضي طريقا ثم ينهى عن سلوكه ، كيف وهم قدوة الأمة باتفاق المسلمين؟!
وروي أن الحسن كان في مجلس فذكر فيه أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فإنهم ـ ورب الكعبة ـ على الهدي المستقيم.
وعن حذيفة أنه كان يقول : اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم ، فلعمري لئن اتبعتموه لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا أو شمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
__________________
(١) سورة : ص ، الآية : ٨٦.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.