نفسه له مزية على اتباع علم غيره ، فالتقليد والمزايا لا سبيل إلى إهمالها مع القدرة على مراعاتها.
أما إذا انعقدت الإمامة بالبيعة أو تولية العهد المنفك عن رتبة الاجتهاد ، وقامت له الشوكة ، وأذعنت له الرقاب ، بأن خلا الزمان عن قرشي مجتهد مستجمع جميع الشرائط ، وجب الاستمرار.
وإن قدر حضور قرشي مجتهد مستجمع للفروع والكفاية ، وجميع شرائط الإمامة ، واحتاج المسلمون في خلع الأول إلى تعرضه لإثارة فتن واضطراب أمور ، لم يجز لهم خلعه والاستبدال به ، بل تجب عليهم الطاعة له ، والحكم بنفوذ ولايته ، وصحة إمامته ، لأنا نعلم أن العلم مزية روعيت في الإمامة تحصيلا لمزيد المصلحة في الاستقلال بالنظر والاستغناء عن التقليد ، وأن الثمرة المطلوبة من الإمام تطفئة الفتن الثائرة من تفرق الآراء المتنافرة ، فكيف يستجيز العاقل تحريك الفتنة ، وتشويش النظام ، وتفويت أصل المصلحة في الحال؟ تشوفا إلى مزيد دقيقة في الفرق بين النظر والتقليد.
قال : وعند هذا ينبغي أن يقيس الإنسان ما ينال الخلق من الضرر بسبب عدول الإمام عن النظر إلى التقليد ، بما ينالهم لو تعرضوا لخلعه والاستبدال به ، أو حكموا بأن إمامته غير منعقدة.
هذا ما قال ، وهو متجه بحسب النظر المصلحي ، وهو ملائم لتصرفات الشرع ، وإن لم يعضده نص على التعيين.
وما قرره هو أصل مذهب مالك : قيل ليحيى بن يحيى : البيعة مكروهة؟ قال : لا ، قيل له : فإن كانوا أئمة جور؟ فقال : قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان ، وبالسيف أخذ الملك ، أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنّة نبيه.
قال يحيى : والبيعة خير من الفرقة.
قال : ولقد أتى مالكا العمريّ فقال له : يا أبا عبد الله ، بايعني أهل الحرمين ، وأنت ترى سيرة أبي جعفر ، فما ترى؟ فقال له مالك : أتدري ما الذي منع عمر بن عبد العزيز أن يولي رجلا صالحا؟ فقال العمري : لا أدري ، قال مالك : لكني أنا أدري ، إنما كانت البيعة