وخصوصا القرآن ، فإن الله تعالى يقول : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (١) الآية. وجاء في صحيح الحديث ـ خرجه مسلم ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في خطبته : «أما بعد فأحسن الحديث كتاب الله» (٢) فيفتقر أصحاب الدليل أن يبينوا أن ميل الطباع أو أهواء النفوس مما أنزل إلينا ، فضلا عن أن يقول من أحسنه.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٣) الآية ، يحتاج إلى بيان أن ميل النفوس يسمى قولا ، وحينئذ ينظر إلى كونه أحسن القول كما تقدم وهذا كله فاسد.
ثم إنا نعارض هذا الاستحسان بأن عقولنا تميل إلى إبطاله ، وأنه ليس بحجة ، وإنما الحجة الأدلة الشرعية المتلقاة من الشرع.
وأيضا ، فيلزم عليه استحسان العوام ومن ليس من أهل النظر ، إذا فرض أن الحكم يتبع مجرد ميل النفوس وهوى الطباع ، وذلك محال ، للعلم بأن ذلك مضاد للشريعة ، فضلا عن أن يكون من أدلتها.
وأما الدليل الثاني فلا حجة فيه من أوجه :
أحدها : أن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن ، والأمة لا تجتمع على باطل ، فاجتماعهم على حسن شيء يدل على حسنه شرعا ، لأن الإجماع يتضمن دليلا شرعيّا ، فالحديث دليل عليكم لا لكم.
والثاني : أنه خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع.
والثالث : أنه إذا لم يرد به أهل الإجماع وأريد بعضهم فيلزم عليه استحسان العوام ، وهو باطل بإجماع ، لا يقال : إن المراد استحسان أهل الاجتهاد ، لأنا نقول : هذا ترك للظاهر ، فيبطل الاستدلال ، ثم إنه لا فائدة في اشتراط الاجتهاد ، لأن المستحسن بالفرض لا ينحصر في الأدلة ، فأي حاجة إلى اشتراط الاجتهاد؟
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٢٣.
(٢) أخرج نحوه مسلم في كتاب : الجمعة ، باب : تخفيف الصلاة والخطبة (الحديث : ٨٦٧) ولفظه : «أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله».
(٣) سورة : الزمر ، الآية : ١٨.