واطمأن إليه القلب ، والإثم مما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك» (١). وخرج البغوي في معجمه عن عبد الرحمن بن معاوية : إن رجلا سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! ما يحل لي ما يحرم عليّ؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرد عليه ثلاث مرات ، كل ذلك يسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : «أين السائل؟ فقال : أنا ذا يا رسول الله ، فقال ـ ونقر بإصبعه ـ : ما أنكر قلبك فدعه» (٢).
وعن عبد الله قال : الإثم حوازّ القلوب ، فما حاك من شيء في قلبك فدعه ، وكل شيء فيه نظرة فإن للشيطان فيه مطمعا وقال أيضا : الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن الخير طمأنينة ، وأن الشر ريبة ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وقال شريح : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فو الله ما وجدت فقد شيء تركته ابتغاء وجه الله.
فهذه ظهر من معناها الرجوع في جملة من الأحكام الشرعية إلى ما يقع بالقلب ويهجس بالنفس ويعرض بالخاطر ، وأنه إذا اطمأنت النفس إليه فالإقدام عليه صحيح ، وإذا توقفت أو ارتابت فالإقدام عليه محظور ، وهو عين ما وقع إنكاره من الرجوع إلى الاستحسان الذي يقع بالقلب ويميل إليه الخاطر ، وإن لم يكن ثمّ دليل شرعي فإنه لو كان هنالك دليل شرعي أو كان هذا التقرير مقيدا بالأدلة الشرعية لم يحل به على ما في النفوس ولا على ما يقع بالقلوب ، مع أنه عندكم عبث وغير مفيد ، كمن يحيل بالأحكام الشرعية على الأمور الوفاقية ، أو الأفعال التي لا ارتباط بينها وبين شرعية الأحكام ، فدلّ ذلك على أن لاستحسان العقول وميل النفوس أثرا في شرعية الأحكام ، وهو المطلوب.
والجواب : إن هذه الأحاديث وما كان في معناها قد زعم الطبري في تهذيب الآثار أن جماعة من السلف قالوا بتصحيحها ، والعمل بما دلّ عليه ظاهرها ، وأتى بالآثار المتقدمة عن عمرو ابن مسعود وغيرهما ، ثم ذكر عن آخرين القول بتوهينها وتضعيفها وإحالة معانيها.
__________________
(١) عزاه النووي في الأربعين النووية إلى مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : تفسير البر والإثم (الحديث : ٢٥٥٣) ، وإلى أحمد في المسند (٤ / ٢٢٨) ، وإلى الدارمي (٢ / ٢٤٦).
(٢) أخرجه أبو القاسم البغوي في معجمه ، وأبو الفرج الحنبلي البغدادي في جامع العلوم والحكم.