وكلام وترتيبه بالنسبة إلى ما نحن فيه لائق أن يؤتى به على وجهه ، فأتيت به على تحري معناه دون لفظه لطوله ، فحكى عن جماعة أنهم قالوا : لا شيء من أمر الدين إلا وقد بينه الله تعالى بنص عليه أو بمعناه ، فإن كان حلالا فعلى العامل به إذا كان عالما تحليله ، أو حراما فعليه تحريمه أو مكروها غير حرام فعليه اعتقاد التحليل أو الترك تنزيها.
فأما العامل بحديث النفس والعارض في القلب فلا ، فإن الله حظر ذلك على نبيه فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (١) فأمره بالحكم بما أراه الله لا بما رآه وحدثته به نفسه ، فغيره من البشر أولى أن يكون ذلك محظورا عليه ، وأما إن كان جاهلا فعليه مسألة العلماء دون ما حدثته نفسه.
ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال : أيها الناس! قد سنّت لكن السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما كان في القرآن من حلال أو حرام فهو كذلك ، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه.
وقال مالك : قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد تم هذا الأمر واستكمل ، فينبغي أن تتبع آثار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ولا يتبع الرأي. فإنه من اتبع الرأي جاءه رجل آخر أقوى في الرأي منه فاتبعه ، فكلما غلبه رجل اتبعه ، أرى أن هذا بعد لم يتم.
واعملوا من الآثار بما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إذا اعتصمتم به : كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» (٢).
وروي عن عمرو بن ... خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما وهم يجادلون في القرآن ، فخرج وجهه أحمر كالدم فقال : «يا قوم! على هذا هلك من كان قبلكم جادلوا في القرآن وضربوا
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ١٠٥.
(٢) أخرج نحوه مالك في الموطأ في كتاب : القدر ، باب : النهي عن القول بالقدر (الحديث : ٣) ولفظه : «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه».