بعضه ببعض ، فما كان من حلال فاعملوا به ، وما كان من حرام فانتهوا عنه ، وما كان من متشابه فآمنوا به» (١).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال : «ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرّم فيه فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٢) (٣).
قالوا : فهذه الأخبار وردت بالعمل بما في كتاب الله ، والإعلام بأن العامل به لن يضل ، ولم يأذن لأحد في العمل بمعنى ثالث غير ما في الكتاب والسنّة ، ولو كان ثمّ ثالث لم يدع بيانه ، فعدل على أن لا ثالث ، ومن ادعاه فهو مبطل.
قالوا : فإن قيل : فإنه عليه الصلاة والسلام قد سنّ لأمته وجها ثالثا وهو قوله : «استفت قلبك» (٤) وقوله : «الإثم حوازّ القلوب» (٥) إلى غير ذلك.
قلنا : لو صحت هذه الأخبار لكان ذلك إبطالا لأمره بالعمل بالكتاب والسنة إذ صحّا معا ، لأن أحكام الله ورسوله لم ترد بما استحسنته النفوس واستقبحته ، وإنما كان يكون وجها ثالثا لو خرج شيء من الدين عنهما ، وليس بخارج ، فلا ثالث يجب العمل به.
فإن قيل : قد يكون قوله : «استفت قلبك» ونحوه أمرا لمن ليس في مسألته نص من كتاب ولا سنّة ، واختلفت فيه الأمة ، فيعد وجها ثالثا.
قلنا : لا يجوز ذلك لأمور :
__________________
(١) أخرج نحوه الترمذي في كتاب : القدر ، باب : ما جاء في التشديد في الخوض في القدر (الحديث : ٢١٣٤) ، والحديث مروي عند ابن ماجه في المقدمة ، باب : في القدر (الحديث : ٨٥).
(٢) سورة : مريم ، الآية : ٦٤.
(٣) أخرجه الدارقطني في كتاب : الزكاة ، باب : الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها (٢ / ١٣٧ ، الحديث : ١٢).
(٤) تقدم تخريجه ص : ٤٢٩ ، الحاشية : ١.
(٥) عزاه في كنز العمال (الكتاب الثاني والفصل الثاني) إلى سعيد بن منصور في السنن ، وإلى البيهقي في شعب الإيمان.