إنّ سليمى والله يكلؤها |
|
ضنت بشيء ما كان يرزؤها |
وبشر المريسي رأس في الرأي ، وقاسم التمار رأي في علم الكلام.
قال ابن قتيبة : واحتجاجه ببشر أعجب من لحن بشر. واستدل بعضهم تحليل شحم الخنزير بقول الله تعالى : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (١) فاقتصر على تحريم اللحم دون غيره ، فدل على أنه حلال ، وربما سلم بعض العلماء ما قالوا ، وزعم أن الشحم إنما حرم بالإجماع.
والأمر أيسر من ذلك ، فإن اللحم يطلق على الشحم وغيره حقيقة ، حتى إذا خص بالذكر قيل : شحم كما يقال : عرق ، وعصب ، وجلد ، ولو كان على ما قالوا لزم أن لا يكون العرق والعصب ولا الجلد ولا المخ ولا النخاع ولا غير ذلك مما خص بالاسم محرما ، وهو خروج عن القول بتحريم الخنزير.
ويمكن أن يكون من خفي هذا الباب مذهب الخوارج في زعمهم : أن لا تحكيم استدلالا بقوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (٢) فإنه مبني على أن اللفظ ورد بصيغة العموم ، فلا يلحقه تخصيص ، فلذلك أعرضوا عن قول الله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٣) وقوله : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) وإلّا فلو علموا تحقيقا قاعدة العرب في أن من العموم لم يرد به الخصوص لم يسرعوا إلى الإنكار ولقالوا في أنفسهم هل هذا العام مخصوص؟ فيتأوّلون ، وفي الموضع وجه آخر مذكور في موضع غير هذا ، وكثيرا ما يوقع الجهل بكلام العرب في مجاز لا يرضى بها عاقل ، أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله.
فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها ، وتسقط مكالمة أهلها ، ولا يعد خلاف أمثالهم ، وما استدلوا عليه من الأحكام الفروعية أو الأصولية فهو عين البدعة إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى ، فحق ما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال :
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٣.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.
(٣) سورة : النساء ، الآية : ٣٥.
(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٩٥.