آخر ، وأنّ الإسلام صار مغلوباً بالمسيحية المزعومة ، أو الماركسية الملحدة ، ولكنه زعم بسيط لا يثبت إلّا بعد نفي سائر الفروض الّتي تصلح لتفسير هذه الغلبة ، ومنها ما سنوضحه.
وقد استغلّ الغربيون هذه الفكرة للدعاية لمصالحهم ، فترى المستشرقين والقسيسين يقولون : إنّ الطريق الدمث لتمييز الحق عن الباطل هو ملاحظة آثار الديانتين : المسيحية والإسلام ، فإنّا نرى أنّ كل بلد أشرقت عليها شمس المسيحية تنعم بالرفاهية والعمران والتقدم الحضاري ، وكل بلد يحكمه الإسلام تسود فيه الأميّة والتخلّف والانحطاط ، أو ليس هذا دليلاً على كون الأولى حقّة والثانية باطلة.
ويقولون : إنّ المسيحية والإسلام شجرتان غرستا في المجتمعات الإنسانية ، إلّا أنّ السبيل السهل لمعرفة حقيقة الشجرة هو ثمرتها ، ونحن نرى أنّ ثمرة شجرة المسيحية هي العلم والتمدن ، وثمرة شجرة الإسلام خلاف ذلك.
ولكن هذه الكلمات مغالطات محضة ، يتأثر بها السذج ، فيفسّرون تقدّم البلاد المسيحية وتأخّر الإسلامية ، بتقدم المنهج النصراني وتفوقه على المنهج الإسلامي ، وهذا ادّعاء محض ، لا يثبت إلّا إذا كانت البلاد الإسلامية إسلامية حقّاً ، وكانت السيادة فيها للإسلام الإسلام ، وكانت البلاد المسيحية مسيحية حقّاً والسائد عليها هو الدين المسيحي ، فعند ذلك يمكن أن نستدلّ بنجاح أحد المنهجين على الآخر بكونه حقّاً والآخر باطلاً.
ولكن لحسن الحظ ، فإنّ كلا الأمرين منتفيان ، فليست البلاد الإسلامية إسلامية بالمعنى الحقيقي ، ولا النظام إسلامي ، ولا الحكام المتصدون للحكومة إسلاميون ، ولا القوانين الإسلامية هي المطبّقة في المجتمع ، وإنّما يحملون اسم الإسلام في تلك المجالات. ويوم كان الإسلام ـ ولو إلى حدود ما ـ سائداً فيها ، كانت مزدهرة بالعلم والعمران ، حليفة الرقي والتقدّم ، وكانت البلاد الأوروبية والغربية عامّة ، بما أنّها كانت متمسكة بالمسيحية المزعومة ، متدهورة ، لا أثر لعلم فيها ولا لحضارة ، يعيش أهلها عيش الوحوش وتحكمهم قوانين الغاب.
وعند ما انقلب الأمر وخلعت البلاد الإسلامية ربقة الإسلام عن عنقها ،