الجواب
الجواب عن السؤال المذكور بوجهين : إجمالي وتفصيلي.
أمّا الإجمالي فهو أنّ الترتب في هذه الآيات ، وإن كان أمراً لا يمكن إنكاره ، ولكن ليس معناه أنّ المعرفة النظرية ـ بمفردها ـ علّة لما رتّب عليها من الفرائض والأحكام ، بل الأمر في هذه الآيات على وجه آخر ، وهو وجود معرفة عملية كلية ـ إمّا واضحة بالذات أو منتهية إليه ـ دخيلة في هذا الاستنتاج ، لكنها لم تُذكر ، لأنّها مفهومة من سياق الآيات. ومَنْ تدبّر الذكر الحكيم ، يجده كثيراً ما يتّكل على فهم الإنسان الفطري ، لإدراك المراد ، من دون حاجة إلى ذكره ، ويكتفي بالإتيان بما هو لازم في مقام المخاطبة ، أخذاً بمجامع البلاغة.
وعلى ذلك ، فليس ما تذكره الآيات من معارف نظرية ، مبدأً مستقلاً لتلك الفرائض العملية ، وإن كان له أيضاً دورٌ ، كدورِ كلِّ صغرى في الاستنتاج ، بل التأثير إنّما هو بضميمة كبرىً عقليةٍ عمليةٍ مقدَّرةٍ ، كما ذكرنا.
وأمّا التفصيلي :
ففي الآيتين الأُولى والثانية اللتين استُدِل فيهما بسجود الموجودات وتسليمها أمام الله سبحانه على وجوب أن يكون الإنسان مثلها ، قياسٌ واضح معلوم عند التخاطب ، وهو أنّ خضوع الموجودات وتسليمها لله سبحانه ناشئ من أنّه سبحانه مَبْدَأُ الوجود ومفيض النعم ، وأنّ كلَّ شيءٍ فقيرٌ إليه تعالى.
وواجبُ كلِّ ممكنٍ فقيرٍ بالذات ، الخضوعُ لموجده ومفيض نعمه ، وليس الإنسان مستثنىً من هذه القاعدة ، فيجب عليه السجود كسجودها ، والتسليم كتسليمها.
فالقضية النظرية الّتي تعطيها هاتين الآيتين ، هي نتيجة قياس كالتالي :
ـ السموات ومن فيها ، فقير إلى الله تعالى.
ـ وكلُّ فقير إلى الله تعالى ، ساجد وخاضع له.
فالسماوات ومن فيها ، ساجد وخاضع لله تعالى.
ومن هذا القياس الّذي لفتتنا إليه تلك القضية النظرية ننتقل إلى قياس آخر