وهذا الخرق لنظام العلة والمعلول لا يعدّ خرقا لنظام العلّية الأفقي ، وإنما هو خرق عمودي لمسارات العلل ، وتغليب علّة على أخرى ، لها طبيعة السلطان الأقوى مما يرينا عدم ممانعة نظام العلّية من حيث المبدأ لخضوعه لعملية الاختراق وهو الأمر المناظر للولاية التكوينية ، إذ ليس هناك من يقول من أنصار الولاية التكوينية أنها تلغي نظام العلّية كما توهمه بعضهم ، إذ إن نظام العلّية من حيث الوجود نظام لا ينفك عن الوجود ما دامت السماوات والأرض وهذا ما يعبّر عنه بعدم الاختراق الأفقي لهذا النظام ، وإنما تتمّ العملية من خلال إعادة تراتبية العلل بشكل عمودي صعودا ونزولا وتقديما وتأخيرا.
وهذا الأمر ينسجم مع المقولة القرآنية التي ترى أن الأشياء مترابطة مع بعضها ، فالاختراق العامودي يبقى لحدث الولاية التكوينية ترابطه مع سائر الأشياء ، بينما لو قلنا بالاختراق الأفقي لأمكن القول بأن الترابط بين الأشياء سينقطع ، لأنه يحتاج إلى علّة أولى من غير سنخ العلة الأولى التي أوجدت التفاعل العلّي العامودي ، وأن الحدث سوف يحتاج إلى عملية تفسير للوجود ، وهو أمر لا يقول بإمكان حدوثه أحد.
فإذا ثبت الاختراق المذكور في الظواهر الكونية بالمنظار العقلي والفلسفي نتيجة تدخّل الإنسان باختياره في تغليب علّة على أخرى ، فيثبت بطريق أولى لتدخّل القدرة الإلهية المباشرة الممنوحة لبعض الأولياء كأن تكون على نحو التقدير والتمييز لهؤلاء ، أو على نحو الائتمان ، خصوصا وأننا نجد أنّ القدرة الإلهية سبق لها وأن أوكلت إلى عناصر متعددة ، كأن تكون طبيعية كما في ولاية العلل على بعضها ، كأن تبخّر النار الماء ، أو يطفئ الماء النار ، أو في تخصيص عمل الملائكة ، فيكون هذا ملكا للموت ، وذاك ملك يتوسط بين الله وأنبيائه وآخر خازن للجنة ، ورابع خازن للنار ، وخامس للنفخ في الصور ، فكل هؤلاء له ولاية خاصة على الأمور أو الأشياء الموكلة إليهم ، فما هو المحذور العقلي إذن في أن يمنح بعض عباده ولاية أعظم من ولايات هؤلاء ما دام هذا الجعل من شئون القدرة الإلهية التي قد يعطيها لمن أحب؟ مضافا إلى أن الولاية التكوينية هي أثر من آثار ولايتهم الشرعية على العباد ، إذ كيف يكونون حججا شرعيين وليس لديهم ما يجعلهم فوق المادة وآثارها ؛ فمن اتّصف كونه نبيّا أو إماما لا بدّ أن يتصف بما هو أدون منهما وهي الولاية التكوينية ، أو بعبارة لا بدّ أن يتصف