أثناء تفاعلهما العلّي مع دخول عنصر جديد عليهما ، لينتج معلولا جديدا.
إنّ هذا الأمر يبيّن لنا عدم ثبات مبدأ العلّية في اتجاهه التراتبي وقابلية اختراقه من جهة ، كما أنه يبيّن لنا من جهة أخرى مصداقية المبدأ الفلسفي المعروف «إن كل شيء هو كل شيء» بمعنى أننا شاهدنا قدرة الإنسان على الانتخاب ما بين مواد العلل ، وهذه القدرة كلما زادت كلما أتاحت للإنسان قدرة أكبر للحصول على معاليل إضافية ، غير أنّ هذه القدرة تحكي في جانب آخر قدرة التحكم في نتاج أي مادة طالما اقتربنا من علّتها الأولى ، الأمر الذي يعني أن الإنسان قادر ـ كلما اقترب من المعدن الأصلي للأشياء ـ أن يبرز أي مادة» (١).
إذن لا مانع علميا من اختراق نظام العلّية في أشياء محدّدة من الظواهر الكونية نتيجة تسليط علّة تجعل النظام ينحاز إلى المعادلة الأقوى ، فلا شك أن الإنسان قادر على أن يتحكم بمعادلات العلّة والمعلول ، «لأنّ حصول شيء ما ، نتيجة أي ظرف كان ، يجعل هذا الشيء في حدود الإمكان ، وطالما أنّ الإمكان الفلسفي مسافته بين الوجود والعدم متساوية ، لذا فإنّ قدرة الإنسان البسيطة على الاختراق ، يمكن أن تخرج من طور البساطة ، إلى طور الاتساع ، لأنه بمجرّد ما كان قادرا على اختراق ما ، فإنه يمكن أن يطوّر عملية الاختراق هذه نوعيا ويحوّلها من الكمّ البسيط إلى النوع المعقد» (٢)
فعملية اختراق قانون العلّة والمعلول هو عملية تطبيقية لقوانين طبيعية لها طبيعة السلطان الأقوى على السلسلة المألوفة لحركة العلّة والمعلول وهذا ما يوضحه قوله تعالى مخاطبا الثقلين بقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (الرحمن / ٣٤).
هنا طرح القرآن عملية الاختراق المفترضة لقانون الجاذبية على شكل إمكان كوني ، وهذه الإمكانية المحتومة للإنس والجن إنما منحت لسبب تكويني مرتبط مرة بكون قابلية الظاهرة الكونية لأن تخترق ، وأخرى مرتبط بكونهما أعطوا سلفا نحوا من الولاية في أفعالهما.
__________________
(١) الولاية التكوينية حق طبيعي للمعصوم : ص ٥٣ لأخي المحقق الشيخ جلال الدين الصغير بتصرّف بسيط.
(٢) نفس المصدر : ص ٥٦.