الولاية التامة ـ في مرّة واحدة أمكن إيجاده في مرات وفي غير زمن التحدّي ، لأنّ الولاية شأن يمنح لأشخاص بناء على مواصفات ذاتية ، وما دام الأمر على هذا النحو ، فما المانع إن ظلّ المؤهل الذاتي ـ الذي منح الإنسان على ضوئه الولاية ـ موجودا في أن تظل هذه الولاية ، فضلا عن أن تتعاظم إن زادت قدرات هذا المؤهل؟ وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العنى بحيث إن الإنسان يمكن أن يبلغ منزلة الولاية في حين يمكن أن تسلب منه كما هو الواضح في قضية عالم بني إسرائيل بلعم بن باعورا. (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (الأعراف / ١٧٦).
٤ ـ وكما قلنا سابقا إنّ الولاية التكوينية في بعض مراحلها قد نالها الجن وبعض العباد ممن ليسوا بأنبياء ولا في مقام التحدّي الموجه إليهم ، فهل كان عفريت الجن نبيّا حتى سدّده الله تعالى بالقدرات الخارقة لقوانين الطبيعة عند ما قال لسليمان (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)) (النمل / ٤٠).
أليس من البخل أن يهب الله سبحانه ـ وحاشاه أن يكون هكذا ـ عفريتا من الجن قدرات هائلة ويعطيه القوة عليها في كل حال (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) ولا يسرّيها إلى من هو أشرف منه وأفضل أعني النبي والإمام الداعيين إلى دينه الإنس والجن؟!
فلم يكن بلعم بن باعورا ولا الخضر على رأي من قال أنه لم يكن نبيا ـ الذي آتاه سبحانه من لدنه رحمة وعلما ـ وكذا ذو القرنين ومريم عليهاالسلام من الأنبياء ولا الأوصياء ومع هذا فقد أعطاهم الله سبحانه الولاية التي هي أثر من آثار الإطاعة والإخلاص.
٥ ـ إن ما ذكره القرآن الكريم في قصة إبراهيم الخليل عليهالسلام لدليل على عكس ما يقول السيد فضل الله ، وذلك أن إبراهيم عليهالسلام حينما طلب من الله تعالى إحياء الموتى ، لم يطلبها لقومه الذين تحدّوا دعوته ، (حيث لا يوجد لدينا ولو رواية واحدة تدلّ على ذلك) وإنما غاية طلبه ذلك ليزداد يقينا بالقدرة الإلهية.
٦ ـ إن الآيات الكريمة (١) التي تحدثت عن المقامات الروحية التي تحلّى بها
__________________
(١) آل عمران / ٤٩ والمائدة / ١١٠.