كفّارة لذنبه فيخرج من الدنيا بغير ذنب. فالمؤمن العاصي مبغوض العمل لا الذّات ولا يجوز لمجانسه بالذات بعضه بوجه من الوجوه ؛ وممّا ذكرنا علم أنه لو أبغض أحد أحدا بالذات لا يمكن أن يكون كلاهما مؤمنين ، ولا بدّ وأن يكون أحدهما كافرا وأما البغض العرضيّ فيمكن أن يقع بينهما لصفة مكروهة منكرة اتّصف بها أحدهما فيكرهها المؤمنون بالذات. واعلم أنّ الإنسان يحبّ نفسه إذ ليس شيء أشبه بها منها وأشدّ تشاكلا وتماثلا وتجانسا بها منها وجبلت الأنفس على حبّ بقائها وبغض فنائها وعدمها فإنّ وجودها ليس من حيّز عدمها وعدمها ليس من حيّز وجودها وحيّزاهما واقعان على التناقض والمضادة الذاتيّة فالوجود ينفر عن العدم ويتألم من تصوّره لنفسه ويحبّ نفسه أي يميل إلى نفسه وأيّ ميل أشدّ من كونه هو هو ، فجبلت النفوس على حبّ وجود أنفسها وبغض عدمها وجميع ما يقويها من متعلقات وجودها وجميع ما يضعفها من مبادي عدمها فيحب متعلقات وجودها ويبغض مبادي عدمها فكلّ شيء يحسبه في الدنيا مقوّيا له أو يؤول إلى تقويته يحبّه وكل شيء يحسبه في الدنيا مضعفا له أو يؤول إلى إضعافه يكرهه ويبغضه وهذا أمر جبليّ فلأجل ذلك ترى الإنسان يحبّ نفسه ويحب المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والأموال والأولاد والأخوان والأعوان ما يظنّ فيها تقوية أو آئلا إلى التقوية فإن حسبها مضرّة به أو آيلة إلى الضرر يشنؤها وينفر عنها البتّة وقد يحبّ شيئا لا لأجل تصوّر منفعة له فيه بل لأجل ما ذكرنا من الميل الطبعي والانجذاب القلبي كما ترى من نفسك أنك قد ترى أحدا لم تره أبدا ولم تعرفه فبمحض رؤيتك له تحبّه ومن هذا الباب حبّ الشّخص كل معتدل أو حسن أو مشاكل من الجمادات والنباتات والحيوانات والأناسي والأفعال والأخلاق والصّفات فإنها إذا كانت مشاكلة لذاتية الإنسان يحبّها بالطبع وإن لم يصل إليه منفعة منها ولم ينلها وليس ذلك إلّا مناسبة بينه وبينها فيمكن أنّ يحب الإنسان شيئا لا لأجل نفسه ولا لأجل منفعة عائدة إليه.
إذا عرفت ذلك : فاعلم أنّ الناس في محبة الله على قسمين :
قسم منهم : يحب الله جلّ جلاله لأنه المحسن المجمل المنعم المفضل ، وأنه خلقه وأمدّه وأحياه ورزقه وأحسن إليه ووهب له الأموال والأولاد وأعزّه وأكرمه وأغناه وأقناه وساق إليه المنافع ويسوق ، ودفع عنه المكاره ويدفع ، ويحفظه ويكلؤه عن طوارق الليل والنهار وشرّ الأشرار ويقيه عن الآفات ويمنع