فالمؤمن أشدّ شيء مجانسة لنور الله وصفته فهو أشدّ حبّا لنور الله وصفته ، وهذا النور وهذه الصفة هما أول مخلوق لله عزوجل بنفسه جلّ قدس الذات عن الصفات وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بإجماع المسلمين وآله الميامين متحدون معه بنص الكتاب والسنة فالمؤمن مجانس لهم ، والمجانسة معهم هي المجانسة مع الله ففي الزيارة : «من والاكم فقد والى الله ومن أحبكم فقد أحبّ الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله» ، كما أنّ من عرفهم فقد عرف الله ، فالطائفة الأولى من المحبين يحبونهم لأجل ما ينتفعون من علومهم وكمالاتهم وسائر ما منهم وإليهم ، وأما الطائفة الثانية فهم يحبونهم بالطبع من غير ملاحظة شيء سوى ذواتهم وصفاتهم لأجلهم وأفعالهم لأجلهم وما ينتسب إليهم لأجلهم لأنّ طباعهم من طباعهم وطينتهم من طينتهم ونورهم من نورهم ، فقلوبهم تحنّ إليهم طبعا من غير ملاحظة انتفاع أنفسهم ، وهذه المحبة هي بعينها محبة الله فإنّ أحدا لا يقدر على محبة الذات ، فإنّ المحبة فرع المعرفة وهي ممتنعة بالنسبة إلى الذات ، وإنما الممكنة معرفة صفاته وهم صفاته وما يعبّر عنه ، فمحبتهم عين محبة الله ، والمؤمن مجانس معهم كما ذكرنا ويشهد له الأخبار ما يتجاوز حدّ الإحصاء منها ما رواه في المحاسن عن أبي حمزة الثمالي قال :
سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إنّ الله تبارك وتعالى خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٩) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (٢٠) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢١) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).
وزاد في الكافي : «وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٨) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (١٠) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢).
وعن مولانا الإمام علي بن الحسين عليهالسلام قال :
إنّ الله تعالى خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وأبدانهم وخلق قلوب
__________________
(١) المحاسن للبرقي (قدسسره) : ص ١٣٢ ح ٥.
(٢) أصول الكافي : ج ١ ص ٣٩٠ ح ٤ ونفس المصدر : ج ٢ ص ٤ ح ٤.