تعالى مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليهالسلام : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).
فلمّا جعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا عليهالسلام منه بمنزلة هارون من موسى ، أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلّا ما خصه العرف من الأخوة ، واستثناه من النبوّة لفظا ، وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق أمير المؤمنين عليهالسلام ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.
ولو علم الله عزوجل أن لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار ، لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عليهالسلام عنه حسب ما قدّمناه ، بل علم أنّ المصلحة في استخلافه ، وأنّ إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال ، فدبّر الخلق والدّين بما قضاه في ذلك وأمضاه على ما بيّناه وشرحناه (١).
ويستفاد من حديث المنزلة خلافته عليهالسلام وإمامته من زمان حياة الرسول الأعظمصلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال المظفر (قدسسره) :
لا ريب أنّ الاستثناء دليل العموم فثبت لعلي عليهالسلام جميع منازل هارون الثابتة له في الآية : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٦) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٧) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي(٢٨) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٩) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٣٠) هارُونَ أَخِي (٣١) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(٣٢) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٣) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٤) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٥) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٦) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٧)) سوى النبوة ومن منازل هارون الإمامة لأنّ المراد بالأمر في قوله تعالى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) هو الأعم من النبوة التي هي التبليغ عن الله تعالى ومن الإمامة ، التي هي الرئاسة العامة ، فإنهما أمران مختلفان ـ إلى أن قال ـ ويشهد للحاظ الإمامة وإرادتها من الأمر في الآية الأخبار السابقة المتعلقة بآخر الآيات التي ذكرناها في الخاتمة المصرحة ، تلك الأخبار بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا فقال : «اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وتيسّر لي أمري وتحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أخي أشدد به
__________________
(١) الإرشاد للمفيد : ص ١٥٦ ط. دار المفيد.