فمن يدّعي أنه مؤمن بالله وبرسوله عليه أن يتبع أقواله ، ألم يأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ أول الدعوة بوجوب إطاعة الإمام علي عليهالسلام والتسليم له ، لا سيما في العام الثالث من البعثة كما في حديث الدار عند ما نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، فجمع النبي عشيرته فأطعمهم وسقاهم ثم قال لهم : من يؤازرني على هذا الأمر ويكون أخي ووصيي وخليفتي عليكم من بعدي؟ فلم يجبه أحد إلا أمير المؤمنين عليهالسلام قال : أنا ، فرفع النبي يد علي عليهالسلام وقال : هذا أخي وحبيبي وصهري ووصيي عليكم فاسمعوا له وأطيعوا ...» (١).
كما أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم اشاد بابن عمه الإمام علي عليهالسلام طيلة حياته ، وبالأخص في المدينة حيث أكد صلوات الله عليه وآله على وجوب إتباع مولى الثقلين والأخذ منه معالم الدين ، لكن كل هذه التصريحات والتأكيدات لم تلاق قبولا عند المنافقين المتغلغلين في أوساط المسلمين (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (التوبة / ١٠٢) وهؤلاء المنافقون معروفون بسيماهم (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (الرحمن / ٤٢). والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرفهم بتعريف الله له (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) (البقرة / ٢٧٣) (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) (الأعراف / ٤٩) (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (محمد / ٣١) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (الحجر / ٧٦). والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعرف المنافقين لما حباه عزوجل من العلم اللدني ، فهو من المتوسمين الذين لا تنطلي عليهم اللقب والأراجيف ، لكنه سكت عنهم لحكمة هو أدرى بها منا (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (الأنبياء / ٢٤).
ثالثا : إن الإيمان بالأسس الثلاثة في مطلع البعثة يعتبر إيمانا واقعيا ، تماما كمن آمن ببعض التكاليف الواقعية التي نزلت في مطلع البعثة دون التي لم تنزل ، بمعنى أن التكليف منجز بحق المكلف بمقدار ما وصله من الأحكام والفرائض دون ما لم يصل ، فكل مكلف وصلته بعض الأحكام الواقعية وامتثل لها ، تصبح فعلية في حقه ، ويعتبر مؤمنا بها واقعا ، من حيث إن الله سبحانه أراد من المكلفين
__________________
(١) رواه عامة المؤرخين من الطرفين فلاحظ ابن الأثير والطبري وغيرهما في أحداث أول البعثة.