موضوعها متحققا وهو الخوف على العرض أو النفس أو المال ، فما ادّعاه الجمّيلي (١) ومن لفّ لفّه إلا كرماد تذروه الرياح ، لأنّ التقية عند العقلاء ومنهم الشيعة يستعملونها عند الضرورة القصوى حتى على بعضهم البعض ما دام الأمر يدور حول دفع الضرر المتوجه على النفس وما شابه ذلك ، فحتى هذا الناصبي يستعمل التقية عند الضرورة عند ما يخفى بعض العلوم والمعارف عن أصحابه واخوانه خوف الضرر عليهم لو علموها ، وكذا يخفى كثيرا من المسائل عن زوجه وأولاده لئلّا يسبّب لهم تشويشا واضطرابا ، وقس عليه بقية الأمور فمورد الآيات وإن كان هو اتقاء المسلم من الكافر ، ولكن كما قلنا إنّ المورد ليس بمخصص لحكم الآية ، إذ ليس الفرض من تشريع التقية عند الابتلاء بالكفار إلّا صيانة النفس والنفيس من الشرّ ، فإذا ابتلي المسلم بأخيه المسلم الذي يخالفه في بعض الفروع ولا يتردد الطرف القوي عن إيذاء الطرف الآخر كأن ينكّل به أو ينهب أمواله أو يقتله ، ففي تلك الظروف الحرجة يحكم العقل السليم بصيانة النفس والنفيس عن طريق كتمان العقيدة واستعمال التقية ، ولو سادت الحرية جميع الفرق الإسلامية وتحمّلت كل فرقة آراء الفرقة الأخرى لما اضطرّ أحد من المسلمين إلى استخدام التقية ولساد الوئام مكان النزاع.
وقد فهم ذلك ثلة من علماء العامة وصرّحوا به ، إليك نصوص بعضهم :
قال الرازي في تفسير قوله سبحانه : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) :
ظاهر الآية يدلّ على أن التقية إنما تحل مع الكفّار الغالبين ، إلّا أن مذهب الشافعي: أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلّت التقية محاماة عن النفس.
وقال : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ويحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قتل دون ماله فهو شهيد» (٢) ، وقال القاسمي نقلا عن مرتضى اليماني في كتابه
__________________
(١) لقد افترى هذا الناصبي على الشيعة كثيرا فقال في فصل «التقية» (يوجبون ـ أي الشيعة ـ التقية مع أهل السنة ، بل أنه حتى الابن جائز له أن يستعمل التقية والنفاق مع أبيه إذا كان سيئا ...) بذل المجهود : ج ٢ ص ٦٤٠.
(٢) تفسير الرازي : ج ٨ ص ١٤.