الآية (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) فلم يقيّد باللفظ ، وما صدر من تلفّظ عمّار إنما هو قضية خارجية لا يمكن بها تقييد ذاك الإطلاق وإلّا لقيّدنا كل الأحكام الشرعية التي وردت على مواضيعها في الأزمنة الخاصة لذا اشتهر عند الفقهاء القدامى والجدد «إنّ المورد لا يخصص الوارد».
فما ذكره الطبري مخالف للفهم العرفي لمفهوم التقية لذا صرّح كثير من المفسرين على أنّ التقية مخالفة الظاهر للباطن والقلب مطمئن بالإيمان.
قال الزمخشري : في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة : مخالفة ومعاشرة ظاهرة ، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع (١).
وقال المراغي تعقيبا على الآية : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) أي ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلّا في حال الخوف من شيء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يبقى ذلك الشيء إذ القاعدة الشرعية : «إنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح» ، وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، إذا فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير إسلامية لفائدة تعود إلى الأولى إمّا بدفع ضرر أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ المسلمين ، ولا تختصّ هذه الموالاة بحال الضعف بل هي جائزة في كلّ وقت.
وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقيّة بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحقّ ، لأجل التوقّي من ضرر يعود من الأعداء إلى النفس ، أو العرض ، أو المال.
فمن نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا يكون كافرا بل يعذر كما فعل عمّار بن يسار حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٢).
ومورد استعمال التقية يشمل الكافر والمسلم لا فرق في ذلك ما دام
__________________
(١) الكشّاف للزمخشري : ج ١ ص ٤٢٢.
(٢) تفسير المراغي : ج ٣ ص ١٣٦.