معنى الآية : أنه سبحانه مالك الدنيا والآخرة والقادر على الإعزاز والإذلال ، نهى المؤمن عن موالاة من لا إعزاز عندهم ولا إذلال من أعدائه لتكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين فقال : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم وأن يستعينوا بهم ويلتجئوا إليهم ويظهروا المحبة لهم كما قال تعالى في موضع آخر : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ).
ومن اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فليس من الله في شيء أي ليس هو من أولياء الله ، والله بريء منه ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) والمعنى إلّا أن يكون الكفّار غالبين ، والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم فعند ذلك يجوز له إظهار مودّتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك.
وفي الآية دلالة على أنّ التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقال أصحابنا أنها جائزة في الأحوال كلّها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح ، وليست جائزة في قتل المؤمن ولا بما يعلم أو يغلب على الظن أنه إفساد في الدين (١).
وقال الطبري :
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال أبو العالية : التقية باللسان وليس بالعمل ، حدّثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحّاك يقول في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال : التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو لله معصية فتكلم مخافة نفسه (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فلا إثم عليه إنما التقية باللسان(٢).
أقول : إنّ تقييد التقية باللسان تقييد من دون دليل يعتدّ به وما ورد بشأن نزول الآية في عمّار (حيث أعطاهم بلسانه ما أرادوا هو القدر المتيقن وإلّا فإن الفعل في بعض الأحيان أبلغ في دفع الضرر من التلفّظ باللسان ، هذا مضافا إلى الإطلاق في
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٢ ص ٤٣٠.
(٢) جامع البيان : ج ٣ ص ١٥٣.